بين الملحد والباحث عن الحقيقة 

إن قرار الإنسان أن يتخذ الإلحاد معتقداً ومنهجاً يسير عليه يعدُّ في غاية الصعوبة النفسية له باعتراف كثير منهم، بل إن بعض الملحدين ليس إلا هازل في إلحاده أو مصاب بنوع من التمرد على مجتمعه، وللطرافة أن أحدهم سأل ملحداً بتعجب : هل أنت حقيقة ملحد؟!! فأجابه بانفعال: ( والله العظيم أنا ملحد).

لكن بعضاً من الشباب الذي يظنه البعض ملحداً هو في الحقيقة ليس إلا شخص يمر بمرحلة تعتبر نوعاً من " البحث عن الحقيقة" وهذه الفئة لا بد للتربويين المحترفين أن يولوها اهتماماً كبيراً ،وأن يوضحوا الصورة لهم وللمجتمع عن حالتهم هذه ، وقد فعل هذا بعض التربويين ( وإن كانوا قلة ) في كلامهم عن الشبهات التي تعتري الشباب فتحرفهم عن الدين أو الأخلاق أو الأعراف المشروعة ، وكذلك فعل هذا بعض الإعلاميين الراغبين بالإصلاح ، ولعل الفيلم الوثائقي " في سبع سنين " الذي أنتجته قناة الجزيرة قبل برهة، وضع المتلقي أمام بعض هذه الحالات التي يبدو أنها نوع من الإلحاد ظاهراً.

وإن هذا الذي يعتري بعض الشباب من شبهات تستوقفه وتجعله يعيد النظر في قناعاته ، إما لأنه يريد أن يصل إلى الحقيقة بيقين مستخلص عن قناعة راسخة لا من تقليد لأهله وبيئته التي وجد نفسه فيها، أو أنه تعرض لهزة نفسية أو اجتماعية جعلته يعيد النظر بأفكاره وقناعاته.

وقد ناقش الكاتب الأمريكي المسلم جيفري لانغ كلاً من المسألتين – الإلحاد والبحث عن الحقيقة ،في كتابه ( حتى الملائكة تسأل ) والذي كتبه بعد خروجه من تجربة الإلحاد واصفاً مشاعره الأليمة عندما كان ملحداً ، والتي دفعته بعد ذلك للبحث عن الحق، وبيّن أن من حق الإنسان المكلف بالاختيار واتخاذ قرار الإيمان أن يسأل ويتساءل ويبحث عن أدلة إيمانه ، كما أن الملائكة تساءلت وسألت ربها ، وأجابها الله تعالى ، فالإنسان أولى بالتساؤل والبحث والنظر ، بل إن النظر ( أي البحث عن دليل الإيمان ) هو أول الفرائض كما وضح ذلك بعض علماء الكلام. 

وهنا يأتي دور التربويين ( والذين تختلف وظيفتهم عن الوعاظ أو القضاة أو الحكام ) في واجبهم أن يمعنوا النظر في حالة هؤلاء الشباب في رحلتهم الفكرية هذه، وأن يوجهوهم ،إلى عدة أمور لتكون رحلته الفكرية صحيحة وقصيرة وبعيدة عن التيه ، منها مايلي :

1-أن يكون هذا الشاب صادقاً مع نفسه في بحثه عن الحقيقة ، ومنصفاً متبعاً للحق لا للأهواء.

2-أن يتعلم ويتعلم ويتعلم ، وأقصد أن يطلب الحقيقة بالعلم من مصادره الموثوقة ، لأن ما يقوم به البعض من الانحرافات الفكرية لا تمت إلى العلم بصلة ، أو يتبع بعضهم من خلال شاشته الصغيرة التي بين يديه ما يذاع من هنا وهنا دون تحر وتوثق ، كل هذا يبعده عن الحقيقة ويجعله باحثاً عن الوهم لا عن الفهم .

3- أن يبين التربوي للشباب أن حالة الشك الناشئة عن ردة فعل لتجربة فاشلة أو انتماء مسبق جعل انتماءه الفكري هشا متهالكا ، إنما هو شك غير صحي ، لأن الثابت في علم النفس أن القرارات المتمردة الناشئة عن هزات نفسية أو اجتماعية هي قرارات فاشلة بامتياز ، ولا تسوق صاحبها إلى إلى مزيد من التمزق النفسي والتيه العقلي ، بل قد تؤدي إلى الجنون أو الانتحار أو الانحراف المتطرف.

إن المجتمع أمام مسؤولية كبيرة تجاه شباب الأمة ، لأن بناء الإنسان مقدم على بناء العمران، خاصة أن هؤلاء الشباب يحتاجون أن يمنحهم التربويون الحوار ويمدوا إليهم أيدي الثقة ، وأن يعالجوا مشكلاتهم الحقيقية ، وأن يضعوهم في المسار الصحيح بلطف وتفهم ، وأظن هذه هي بداية الحل الجذري لمشكلة الإلحاد. والنقطة الأولى لدعم من يبحث عن الحقيقة ليصلها مطمئن النفس ثابت الشعور.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين