دور وسائل الإعلام الحديثة في إعراض أبنائنا عن القراءة

 
 لايخفى على أحد ممن له صلة في التربية  سواء من المختصين أو الآباء ذلك الدور الكبير الذي تلعبه وسائل وتقنيات الإعلام الحديثة في التأثير على عقول أبنائنا وما يعتادونه من عادات وما يكتسبونه من سلوكيات وبات التلفاز وما يتفرع عنه من تقنيات رفيقا ملازما لأولادنا منذ تفتح الوعي لديهم في السنوات بل في  الشهور الأولى من حياتهم
وفي مقالة سابقة نشرت في العد(96) من  مجلة الرسالة بعنوان (أبناؤنا والقراءة) ذهب كاتبها  الأستاذ أيمن بن أحمد  ذو الغنى إلى أن أعظم ما يحول بين أبنائنا والكتاب ويقيم جدارا عازلا بينهما هو أن لغة الكتاب ليست اللغة الأم التي اكتسبها الأبناء في طفولتهم فلغة الكتاب لا تستخدم إلا عند القراءة والكتابة أما لغة الخطاب والتواصل في البيت والمدرسة والشارع فهي اللغة العامية التي اعتادوا عليها .
وتعقيبا على هذا الرأي وبغية إعطاء بعد آخر للمسألة وربطا بالمقدمة التي بدأت بها أود أن ألفت النظر للدور الكبير الذي يلعبه التلفاز وما تفرع عنه من تقنيات(الحاسب, ألعاب الفيديو, شبكة الإنترنت ,الجوال ......) في إعراض أبنائنا عن القراءة وإفقاد الكتاب دوره في حياة الناشئة.
تعتمد الشاشة في جاذبيتها على الألوان الزاهية والتغير السريع للوميض الضوئي والذي لا يستغرق إلا أجزاء من  الثانية فإذا أدمن الطفل مشاهدة التلفاز والجلوس الطويل أمامه فإن ذلك يفقده القدرة على التركيز إضافة إلى تخدير الوعي لديه ولك أن تلاحظ الطفل المستغرق في متابعة برنامج تلفزيوني أو لعبة فيديو لتدرك حقيقة  ذلك.
ومن المعلوم أن القراءة تحتاج إلى قدر عال من التركيز لأنها تعتمد على التفاعل بين الكتاب والقارئ وعلى تحويل الكلمات المجردة إلى معلومات تخزن في الذاكرة وبالتالي فإن إدمان الأبناء على الجلوس أمام الشاشة سيؤثر في قدرتهم على التعامل مع الكتاب لفقدهم القدرة على التركيز وبالتالي سيوضع الكتاب جانبا ويستبدل به ما هو أقرب إلى النفس وهو التلفاز.ووسائل الإعلام الترفيهية.
وقد أوضح الطبيب النفسي الأمريكي جون روزموند في كتابه (ست خطوات لتنشئة أطفال أصحاء وسعداء) أن التلفاز هو أكثر أداة أثرت على حياة الأطفال وبنائهم النفسي و نشأتهم في القرن العشرين وفي دراسة أوردها في كتابه المشار إليه بين الكاتب أن مستوى التحصيل العلمي  عند الطلاب في الولايات لمتحدة الأمريكية قد هبط بشكل كبير بين جيل ماقبل الخمسينيات وأجيال ما بعدها وذلك تحت تأثير التلفاز الذي بدأ ذيوعه  في خمسينيات القرن الماضي 
وتبلغ خطورة التلفاز ذروتها عند إدمان الأطفال في سن ماقبل المدرسة على مشاهدته  حيث يرتبط الوعي واللاوعي لديهم بوميض الشاشة الجذاب المتغير بسرعة مما يفقدهم القدرة على التركيز في مرحلة مبكرة وهذا ما يلاحظه الكثير من المعلمين عند طلاب المرحلة الابتدائية خصوصا
ويذكر الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى في ذكرياته عن التعليم أن الأولاد في النصف الأول من القرن العشرين وفي مدارس دمشق  كانوا يجلسون في حصة القراءة والقصة لساعة كاملة دون حوار أو كلام أو حراك يستمعون للغة عربية رصينة فصيحة متتابعة لا يتخللها انقطاع وفي كتب لا صور فيها ولا ألوان .
أما في الوقت الحالي فيلاحظ المدرسون أن الأولاد لا يستطيعون التركيز في الكلام المتتابع لأكثر من عشر دقائق ثم يضطر المعلم للتحفيز والإثارة من خلال الأسئلة والحوار وقس على ذلك القراءة المتتابعة .
ومما زاد الطين بلة الانتشار العجيب لألعاب الفيديو و الانترنت بين أيدي أبنائنا وتكاد لا تجد بيتا يخلو منها ولا تجد أطفالا إلا و يمضون الساعات الطوال أمامها
والخطورة هنا تكمن في أن الطفل يعيش لساعات طويلة في عالم وهمي مجرد عن الإحساس والمشاعر له قوانينه وفيه شخصياته وظروفه الخاصة مما يفصل الناشئ عن واقعه ويكتسب ثقافة مسمومة بما تحويه هذه الألعاب من تجاوزات أخلاقية وإنسانية  مع ملاحظة أنه لا يوجد أي فائدة لهذه الألعاب فهي تعتمد على الفوز بإتقان مهارات تكتسب بالتكرار فقط  دون إعمال لفكر أو بذل لجهد حقيقي وأكاد لا أبالغ إن قلت أن ألعاب الفيديو وشبكة الإنترنت تعتبر من أكثر الأدوات إضاعة لأوقات أبنائنا والمشوه الأول لبنائهم النفسي وتعتبر أكثر أداة غيرت من طريقة تنشئة أبنائنا في القرن الحادي والعشرين.
والكلام عن الاستغناء عن هذه التقنيات فيه الكثير من المبالغة وخاصة في عصر العولمة والانفجار المعرفي وتضخم وسائل الإعلام بشكل لا سابق له ولكن حسبنا أن نكون واعين في التعاطي معها ومنتبهين إلى أثرها في حياة أبنائنا ولعلنا نحدد بعض النقاط الهامة في ذلك:
1-   إبعاد الأطفال في سنواتهم الأولى عن المكوث لساعات أما التلفاز حتى البرامج المفيدة فهم في هذا السن لا يميزون بين المفيد وغيره فما يجذبهم هو تتابع الوميض فقط
2-   أن نؤجل متابعتهم للبرامج المفيدة إلى ما بعد دخولهم المدرسة حتى يسبق تعاملهم مع الكتاب تعاملهم مع التلفاز
3-   أن نعلمهم القراءة بالإيحاء وذلك بالقراءة أمامهم والقراءة لهم وخاصة قبل النوم وينصح بعض الباحثين بالبداية في ذلك منذ الشهر السادس من العمر أي حين يبدأ الطفل بالتأثر بما حوله و إدراك العالم الخارجي المحيط به.
4-   تحديد ساعات الجلوس أمام التلفاز بالنسبة للأطفال في سن  دخول المدرسة ونراقب ما يشاهدونه على الشاشة .
5-   تقديم البدائل عن التلفاز من الكتب الملونة الشيقة ذات الموضوعات الجذابة كالروايات الهادفة والموسوعات الميسرة وكذلك الألعاب التي تنمي لديهم الخيال والإبداع كالألعاب لتركيبية والميكانيكية  .
6-    مراقبة ألعاب الفيديو التي يستخدمونها وتحديد ساعات اللعب بها حتى لا يتحول الترويح إلى عادة وإدمان يصعب صرفهم عنها بعد ذلك.
7-   الانتباه من قبل الآباء والأمهات إلى طريقة تعاطيهم هم مع هذه الوسائل لأن الأطفال في النهاية يتعلمون من آبائهم بالإيحاء أكثر مما يتعلمونه  بالتوجيه والكلام .
و الذي أراه بعد هذا الكلام أن المنافس الأول للكتاب في حياة أبنائنا هو التلفاز وما يتفرع عنه من وسائل إعلام وأخيرا فليس المطلوب إبعاد وسائل الإعلام والتقنيات الحديثة عن بيوتنا ولكن المطلوب هو الوعي والانتباه عند استخدامها حتى لا تتحول من وسائل للترويح والترفيه إلى أدوات لقتل الوقت وتشتيت الأذهان خاصة عند أبنائنا الذين هم أمل الأمة

في النهضة والانطلاق .


بقلم /محمود هاشم عليكو

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين