نشؤوا على الإسلام ثم انبهروا بثقافة الغرب

كثيراً ما نشهد من إخوتنا وأبنائنا مظاهر إعجابهم بما عليه الغرب من قيم ومفاهيم. وقد نستغرب ذلك أو نستهجنه، أو لا نكترث به، أو نشاركهم ذلك الإعجاب!.

وليس من المستغرب أن نتفاوت في ردود أفعالنا على ما نراه من هؤلاء، كما أنه ليس مستغرباً أن تتفاوت درجات إعجاب هؤلاء، وذلك بسبب الظروف التي مرّت بكل منهم، سواء في نشأته الأولى على الإسلام، أو في انبهاره لاحقاً بثقافة الآخرين.

أمّا في نشأة كل منا، مع الاشتراك المفترض في التنشئة الاجتماعية الإسلامية، فهناك المحضن التربوي الواعي النظيف المستقيم الذي يخرّج مسلماً صحيح العقيدة، عالماً بدينه أحكاماً وقيماً، ملتزماً بما آمن به... وهناك المحاضن التي هي دون ذلك ودونه، حتى نصل إلى المحضن الذي ليس له من الإسلام إلا العنوان، بل قد توجد في مثل هذا المحضن مفارقةٌ فاضحة بين عنوان إسلامي وممارسات مناقضة لذلك.

ومعظم الذين نشؤوا على الإسلام ثم انبهروا بثقافة الغرب، مع تفاوتهم في الدرجة، تراهم يُفيضون بالثناء على ما عند الغرب، ويُغفلون ما فيه من عورات وهبوط وسفالة.

وإنه لا يمكن، ولا يجوز، أن نُنكر أن في الغرب قيماً وأخلاقاً عليا، بجوار ما فيه من ظلم وفجور وهبوط. ألم يكن في الجاهلية الأولى ما عبّر عنه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، حين قال أمام النجاشي: "كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونُسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف". وكان بجوار ذلك مكارم الأخلاق التي بُعث النبي صلى الله عليه وسلم ليُتمّمها (كما في الحديث الذي رواه البزار في مجمع الزوائد، وصححه الألباني).

وهذا لم يمنع أن يوصف ذلك المجتمع بالمجتمع الجاهلي، وأن تكون المعركة العَقَديّة بينه وبين المجتمع الإسلامي الناشئ، حتى كتب الله الغلبة للإيمان وأهله.

إن إخوتنا هؤلاء، وقد نشؤوا على الإسلام لم يَهُنْ عليهم أن يتبرّؤوا منه، فإن له جذوراً في قلوبهم، وفي الوقت نفسه، قد أُعجبوا بالغرب وقيمه. ومع التعارض العميق بين الإسلام والقيم السائدة في الغرب، فإنهم يقومون بعملية توفيق بين الحق والباطل ليتخلّصوا من ازدواج الشخصية. وإذ هم مُعجَبون إلى درجة الانهيار، بثقافة الغرب وقيمه وأعرافه... فهم يقومون بتطويع أحكام الإسلام وقيمه لتوافق ثقافة الغرب.

فالجهاد في الإسلام لا يُشرع (عندهم) إلا في حالة زحف جيش أجنبي على حدود دولة إسلامية.

وتعدد الزوجات (عندهم) لا يجوز إلا في حالات شاذة.

والتفاوت في ميراث الإناث والذكور (عندهم) كان له مسوّغات في المجتمع الذكوري، وقد آن الأوان لإعادة النظر فيه.

وهكذا، وهكذا... وأما ما قامت به جيوش الغرب من اقتحام بلاد الآخرين وقتل الملايين، بل مئات الملايين، من شعوب تلك البلاد، واستعباد الملايين، ونهب ثرواتها... فهذه أمور عفا عليها الزمن، وأصبحت جزءاً من التاريخ، ولا يجوز أن نحمّل الأجيال الحديثة من الغربيين مسؤولية ما فعله أجدادهم!.

وأما ما تزال تفعله قوى الغرب الكبرى (وهي منتخبة من شعوبها) من محاربة للإسلام والمسلمين، وتوجيه الاتهام لأصحاب التوجه الإسلامي، وتنصيب حكام على بلاد المسلمين من عملاء الغرب، أو الضغط على الحكام ليصبحوا عملاء لهم أو يزيحوهم، ويفرضوا عليهم تعديل مناهج التعليم وتبديل سُلّم القيم لتقليص قيم الإسلام أو السخرية منها، وإعلاء القيم الغربية... بل إنشاء التحالفات لغزو بلاد المسلمين كلما رأوا رغبة في ذلك، أو كلما عَجَزَ عملاؤهم عن تحمل "المسؤولية" في محاربة الإسلام والمسلمين...

أمّا هذا كله فينساه هؤلاء، أو يجدون له المسوّغات، أو يرونه شيئاً هيّناً أمام الصورة الباهرة للغرب الذي يتربّع على قمة "الحضارة".

وليس فيما نقول إنكار لما نحن عليه من ضعف ومن بُعدٍ عن الإسلام، ومن تخلّف اقتصادي وعسكري وسياسي... ولكن إقرارنا بتخلُّفنا لا يسوّغ لنا أن نُعجَب بمن هم ليسوا على ديننا ومَن قد بَدَت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر. لقد كان الصحابة، وبعد أن دخل الناس في دين الله أفواجاً، ما زالوا متخلفين في اقتصادهم وعَدَدهم وعُدَدهم عن الفُرس والرومان... وهذا لم يجعلهم يُشيدون بالفرس والرومان، بل كان ربعيّ بن عامر يقول أمام رستم قائد الفرس: "الله ابتعثنا لنُخرِجَ مَن شاء مِن عبادة العباد إلى عبادة الله...".

علينا أن نعتزّ بديننا وقيمنا، وأن نحرص على التزام ذلك في حياتنا، وأن ننشرها في مجتمعنا، وأن نبشّر بها كل الدنيا، وأن نبذل في سبيلها كل غالٍ ورخيص... وان ننتظر بعد ذلك الفرج والنصر والفتح من الله تعالى.

(ولَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن ينصره. إنّ الله لقويٌّ عزيز). {سورة الحج: 40}.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين