ولا تهنوا فالله أصدق وعداً

عناصر المادة

1- تفرق جمعهم إلا علينا 2- هذا ما وعدنا الله ورسوله 3- وبلغت القلوب الحناجر 4- كل يوم هو في شأن 5- سبيل الخلاص

مقدمة:

إن من سوء الظن بالله أن يظن العبد بأن الباطل سينتصر، وأنه سيمكن له في الأرض، كلا والله، إنما هو ابتلاء وتمحيص ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا، وفي كل زمان يحدث هذا..

ومن سوء الظن بالله أن ييأس المؤمن ويقنط ويظن أن الله لا ينصر دينه ولا ينصر أولياءه {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران: 154]، 

{وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا} [الفتح: 12].

عند اشتداد الكرب وتعاظم الخطب للمؤمن شأن آخر وحال مع الله يختلف عن حال {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103].

1- تفرق جمعهم إلا علينا

إن أهل الباطل في عداوة دائمة فيما بينهم، ولكن إذا كان العدو الإسلامَ فإنهم يجتمعوا كما هو اليوم، قال تعالى: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: 14].

إذا كان عدوهم الإسلام تجمعوا وجمعوا ما كان عندهم في مخطط واحد لينفذوه في المسلمين، قال تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36].

ما الذي أتى بروسيا الملحدة لتقتل أطفال المسلمين؟

ما الذي أتى بالمجوس من أصقاع الأرض لينكلوا بالمستضعفين؟

ما الذي أتى بهذا التحالف العربي الروسي الصليبي الرافضي النصيري ليقتل أهل الإسلام؟

إنه الهدف الواحد والمخطط المشترك: وهو أن لا تقوم لأهل السنة قائمة.

ألسنا بأولى منهم بأن نجتمع ونتحد في مخططاتنا ورسم أهدافنا؟ مع أن أهدافنا جميعا واحدة وهي القضاء على هذا النظام المجرم، وإقامة حكم عادل يقيم شريعة الله ويعطي الناس حقوقهم.

والله الذي لا إله إلا هو ليس عيباً أن نتعلم منهم الاتحاد مع أن في ديننا ما يكفي لتعليمنا وتربيتنا، لقد أمرنا الله بهذا أمراً فقال عز وجل: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36]، كما يقاتلونكم مجتمعين قاتلوهم مجتمعين ولا تتفرقوا عليهم..

أيها الناس، أيها المجاهدون، أيها القادة: نقولها بألم وحرقة وقلوب تتقطع إن لم نكن يداً واحدة، وأولياء لبعضٍ، وأعداء على الكافرين لا على بعضنا، فنحن السبب في هذه الدماء التي تراق ونحن السبب في هذا التسلط من الأعداء ونحن السبب في تشريد الناس واستغلالهم من الأقوياء وضياع النساء والأطفال والمستضعفين الذين صاروا يقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75].

نعم لا تستغربوا فنحن سبب كل هذا لأن الله قال لنا: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73]. 

لقد حصل من الفتن والفساد مالا يتحمله عقل ولا يخطر على بال.

فيا من تستطيعون فعل شيء ولم تفعلوا دماء المسلمين في رقابكم، وستحملون هذا الوزر على أعناقكم يوم العرض الأكبر.

2- هذا ما وعدنا الله ورسوله

عندما خان اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ودبروا له مكيدة لقتله، أخبره الوحي بذلك فأسرع النبي إلى المدينة وجهز جيشه وأجلى اليهود من المدينة إلى خيبر، طردهم من المدينة فاجتمعوا في خيبر وبدأت مكائدهم وقرروا القضاء على الإسلام برمته.

وبدؤوا ينشئون تحالفاً واتحادا للقضاء على رسول الله وأصحابه وبالفعل نجحوا، ذهبوا إلى غطفان ووعدوهم بثمار خيبر سنة كاملة على أن يسيِّروا ستة آلاف مقاتل لقتال المسلمين، وذهبوا إلى قريش وألبوها فأخرجت أربعة آلاف مقاتل، وهذا غير اليهود الخونة وغير يهود بني قريظة الذين يعيشون بين أظهر المسلمين في المدينة وقد خانوا العهد مع رسول الله.

نجح التحالف وأسموه: التحالف العربي الوثني اليهودي العسكري للقضاء على المسلمين، وسمع النبي بالخبر فأقام مجلساً استشاريا مع الصحب الكرام وأشار عليهم سلمانُ الفارسي بحفر الخندق فقال: "يا رسول الله كنا في فارس إذا حوصرنا خندقنا".

فاجتمع الصحابة على هذا الرأي، مع أن الذي أشار به ليس عربياً ولكن ما دام انه يصبُّ في مصلحة الأمة فيأخذون به، إذ لم تكن الحزبيات والعصبيات والقوميات لتفرق بين الصحابة، بل كان يجمعهم الإسلام الواسع الذي استوعب الكل وجمعهم في بوتقة واحدة فكان منهم ما سمعنا.

وحفر الصحابة الخندق في ستة أيام، وأنتم تعلمون أن المدينة صخور والأرض في غاية القساوة، والصحابة لم يكن عندهم كما اليوم آليات ثقيلة ولا حاملات أثقال ولا مكسرات للصخور ولم يكن عندهم عبيد يعملون لهم، وكانوا يحفرون بالمعاول والفؤوس.

فخرج النبي عليهم ورأى ما بهم من برد شديد وجوع شديد وتعب شديد فقال مشفقاً عليهم كما روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداةٍ باردةٍ، فلم يكن لهم عبيدٌ يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النَّصبِ والجوع قال: 

اللهم إنَّ العيشَ عيشُ الآخرة=فاغفرْ للأنصارِ والمهاجرة

فقالوا مجيبين له: 

نحنُ الذين بايــعوا محمـــداً=على الجهادِ ما بقينا أبداً [ 1 ]

بايعوه على الجهادِ ما دامت بهم حياة، ولم يتركوا الجهادَ لأنهم أصبحوا في قلةٍ من العيشِ أو شدة من البرد، أو تعب أو نصب.

ورسول الله معهم وقد غطى التراب بطنه ليرسم للقادة طريقاً واضحا في العيش مع جماهيرهم لا أن ينظرون إليهم من برج عالٍ.

ورسول الله يسليهم ويرتجر لهم ويقول:

والله لولا الله ما اهتدينا=ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا=وثبت الأقدام عن لاقينا

عن الألى قد بغوا علينا=إن أرادوا فتنة أبينا أبينا أبينا

وتمر بالصحابة صخرة عظيمة لم يستطيعوا كسرها ويخبرون رسول الله فيمسك المعول ويضربها ضربة تكسر ثلثها ويقول: (الله أكبر فتحت بلاد الشام).

ويضربها أخرى ويقول: (الله أكبر فتحت فارس).

ويضربها أخرى ويقول: (الله أكبر فتحت اليمن).

والصحابة ينظرون بنفوس مطمئنة موقنة بموعود الله راضية بقضائه، مع أن الأحزاب قد اجتمعوا عليهم ولكن الله أنزل السكينة في قلوبهم فقلوبهم متصلة بالله مدبر الأمور.

وأما المنافقون كمنافقي هذا الزمان فقالوا كما هي عادتهم في التخذيل والتبطئة، محمد يعدنا بقصور فارس وقصور الروم وأحدنا لا يؤمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط.

نعم قالوا هذا، قال تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12].

إياكم أيها الناس وإياكم يا أهل الشام أن تظنوا بالله هذا الظن، ثقوا بالله كما وثق رسول الله وأصحابه.

اجتمع الأحزاب وأحاطوا بالمدينة إحاطة شديدة والصحابة في تعب شديد وقد جعلوا النساء والصبيان في سور يحيط بهم وجعلوا معهم من الصحابة من يحمونهم، وجاء الأحزاب ورأى المؤمنون تلك الآلاف المؤلفة من الكفار بحدهم وحديدهم وقضهم وقضيضهم، فماذا كان موقفهم؟!

قال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22].

أيها الناس: يا أهل الشام: إن موعود الله يأتي عندما يبلغ الكرب منتهاه، {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].

هذه سنة من سنن الله في الكون، فلا تحزنوا ولا تيأسوا وثقوا بالله الذي سن هذه السنن، هو ربكم وقد بين لكم هذا فلماذا الخوف؟

إنها جنة أيها الناس، سلعة الله، غالية جدّ غالية، أتشرونها بالقليل؟!

قال سبحانه وتعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].

وقال في آية أخرى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 142].

وقال: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2-3].

نحن أولى بالصبر: إذا كان الأعداء يوصي بعضهم بعضاً بالصبر فنحن أولى منهم بذاك، {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} [سورة ص: 6].

{إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} [الفرقان: 42].

أفلا يكونُ صبرُنا أشدُّ من صبرهم؟! وكيف لا يكون ذلك وهم على الباطلِ ونحن على الحقِّ.

فمغالبةُ الأعداء بالصبرِ هي المصابرةُ التي أمر الله بها في كتابه بقوله: {وَصَابِرُوا}.

يقول صاحب الظِلال: "فكأنما هو رهانٌ وسباقٌ بينهم وبين أعدائهم، يدعون فيه إلى مقابلة الصبرِ بالصبرِ، والدفعِ بالدفعِ، والجهدِ بالجهدِ، والإصرارِ بالإصرارِ.. ثم تكون لهم عاقبة الشَّوْطِ بأنْ يكونوا أثبتَ وأصبرَ من الأعداءِ. وإذا كان الباطلُ يصرُّ ويصبرُ ويمضي في الطريق، فما أجدرَ الحقَّ أن يكونَ أشدَّ إصراراً وأعظمَ صبراً على المضيِّ في الطريقِ!" [ 2 ]

ولو لم يكن من نعمةِ الصبرِ إلا أنه يُمَيِّزُ الصفوفَ ويكشفُ معادنَ الرجالِ في مواطنِ النِزَالِ لكفى به من نعمة، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31].

3- وبلغت القلوب الحناجر

بلغ الكرب بالصحابة يوم الأحزاب منتهاه، وبلغت قلوبهم حناجرهم، حتى أن الله وصف الموقف وصفاً يبين مدى خطورة ما أحاط بالمؤمنين، كالخطر الذي يحيط بالمسلمين اليوم من كل مكان حتى بلغت قلوبنا الحناجر من هول ما يجري، قال الله: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 10-11].

نظروا إلى الأحزاب وقد انقطعت الأسباب ونفذت الحيل، حتى أنهم جاؤوا إلى رسول الله وقالوا: يا رسول الله لقد بلغت القلوب الحناجر فماذا نقول؟ فقال لهم رسول الله قولوا: (اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا).

ورسول الله يجأر إلى الله ويتضرع: (يا رب يا مجري السحاب ويا منزل الكتاب ويا سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم). [ 3 ]

عندما علم الله إخلاصهم وصدق نياتهم، أنزل السكينة عليهم، وأرسل جنودا لم يروها على أعدائهم، وجاءت الملائكة تكبر في معسكرات الكافرين، فتفرقوا بعد اجتماع، واختلفوا بعد اتحاد، وخالف الله بين قلوبهم، فأرسل الله عليهم ريحاً من عنده فخلعت خيامهم، وأكفئت قدورهم، حتى غارت الخيل بعضها على بعض، حتى كان الرجل منهم يقول: يا بني فلان يا بني فلان: النجاة النجاة، ويخرجوا ويطيروا ويهربوا..

قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب: 9-13].

هكذا يا عباد الله، هكذا هي سنة الله عند اشتداد الكرب، وهكذا يكون المؤمنون عندما يعظم الخطب، صدقاً وإخلاصاً، وصبراً واطمئناناً، وثقة وتوكلاً، وعلما بسنن الله.

4- كل يوم هو في شأن

اعلموا عباد الله إن لله تدابير لا يعلمها إلا هو، وقد أحاطها بحكمته وعظمته ورحمته، فهو الذي رفع السماء بغير عمد، وهو الذي كور الأرض، وهو الذي أضاء الشمس، وهو الذي نور القمر، وهو الذي أرسل الرياح، وهو الذي أجرى البحار والأنهار، سبحانه وبحمده، {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [النور: 44].

يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، تلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]. 

فقال الصحابة يا رسول الله: وما شأن الله؟ قال: (مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبًا وَيُفَرِّجَ كَرْبًا ويرفع قوماً ويضع آخرين) [ 4 ]

كل يوم هو في شان، ومن شأنه سبحانه أنه يجيب داعيا، ويعطي سائلا، ويغيث مكروبا، ويفك عانيا، ويشفي سقيما، {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة: 5].

{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} [الرعد: 2].

{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس 31-32].

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} [هود: 66].

هذا الوجود الذي لا تعرف له حدود، كله منوط بقَدَرِهِ، متعلق بمشيئته، وهو قائم بتدبيره.

هذا التدبير الذي يتناول الوجود كله جملة ويتناول كل فرد فيه على حدة ويتناول كل عضو وكل خلية وكل ذرة، ويعطي كل شيء خلقه، كما يعطيه وظيفته، ثم يلحظه وهو يؤدي وظيفته.

هذا التدبير الذي يتبع ما ينبت وما يسقط من ورقة، وما يكمن من حبة في ظلمات الأرض، وكل رطب وكل يابس، يتبع الأسماك في بحارها، والديدان في مسار بها، والحشرات في مخابئها، والوحوش في أوكارها، والطيور في أعشاشها، وكل بيضة وكل فرخ، وكل جناح، وكل ريشة، وكل خلية في جسم.

صاحب التدبير هذا لا يشغله شأن عن شأن، ولا يند عن علمه ظاهرٌ ولا خافٍ، إنه الله رب العالمين، مالك يوم الدين، قيوم السموات والأرض، لا يغيب عنه حالكم يا أهل الشام، إنه يكلؤكم ويرعاكم في كل لحظة وإلا هلكتم، وهو لأعدائكم بالمرصاد، قادر عليهم، ولكنه يملي لهم لحكمة لا نعلمها نحن.

فثقوا بالله كما وثق نبيكم وأصحابه، والعاقبة لكم كما كانت لهم، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].

5- سبيل الخلاص

يا أهل الشام: قدموا الأسباب فإن هذا من حسن التوكل على الله تعالى، ابرؤوا من حولكم وقوتكم والجؤوا إلى حول الله وقوته، أكثروا من التضرع والبكاء، جددوا التوبة والأوبة إلى الله وهجر المعاصي وترك الموبقات والإعراض عن الكبائر وهجر الفواحش والإقبال على المساجد والقنوت بين يدي الله..

ادعموا بعضكم بكل سبيل مادي أو معنوي أو إعلامي أو نفسي.. واتركوا النصر لله ولا تشغلوا أنفسكم به فهو مالكه.

إن ما يجري اليوم في بلاد الشام ليدمي العيون ويبكي القلوب ويزعج النفوس، صنوف من البلاء والآلام والهموم والأحزان يستمر لأعوام.

ولكن النصر قادم، النصر في السماء، وإذا أراده الله فبكلمة كن سيكون، فاشتغلوا بأسبابه واعتمدوا على مسببها، واعلموا أن كل ما يحصل لا يخرج عن إرادة الله سبحانه {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11].

وإنا ندعو السوريين جميعا في كل المناطق السورية للتظاهر من جديد ضد إرهاب هذا النظام المتهالك، وليرى العالم كله إصرارنا على مبادئنا ورفضنا للظلم مهما بلغ من التكالب والعنف علينا، وأن نقف مع إخواننا في درعا في إعادتهم ألق الثورة من جديد بتحديدهم للتظاهر لرفض هذا الإجرام.

وإن سوريا بعد أن بلغت مستويات رهيبة في الفقر والتعليم والحاجات الرئيسية والضرورية نرى مع ذلك حرص هذه العصابة المجرمة على إعادة تماثيل الهالك!

هذا مما يشير إلى مستوى الانحطاط الذي وصل إليه هذا النظام المجرم، ليعلم ذلك من لا يزال مخدوعاً بشعاراته المخادعة وعهوده وتسوياته الكاذبة.

1 - البخاري/ كتاب المغازي، 4099 - مسلم/ كتاب الجهاد 4676

2 - الظلال: 1/552

3 - البخاري ومسلم

4 - ابن حبان، وصححه الألباني: 688

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين