بين العقل والهوى

 العقل والهوى يلتبسان عند أكثر الناس

فتارة يجعلون العقل هوى فيعرضون عنه، وأكثر من يميل إلى ذلك من ينسب إلى الدين والزهادة.

وتارة يجعلون الهوى عقلاً ويقبلونه ويقبلون عليه ويدعون إليه، وهذا الغالب على حال الناس، ولذا يستحسنون أصناف الشرور والباطل، وذلك ليس بحسن في العقل أصلاً، ولكن لما سموا أهواءهم عقلاً سوغوا استحسانهم لذلك في أنفسهم وغيرهم، ويوردون هنا فضائل العقل ومحاسنه، ويستشهدون له بالدينيات أيضاً.

فيرُدُّ عليهم أولئك المتدينون بمعاداة العقل أو معاداة اسمِه؛ بنفي مدح الدين للعقل وأن العقل مناف للدين، وأنَّ الدين هو الممدوح وحده، ولو سئلوا: من أين لكم مدح الدين؟ لم يكن لهم مستند يسلَمون فيه من ظاهر التناقض إلا النَّقل، فيقال لهم:

إن كان كل نقل مصدَّق فاقبلوا نقل ضدِّ ما اعتقدتم وإلا فبأي شيء علمتم صحة النقل؟، 

فإن أحالوا على نقل وقعوا في التسلسل المحال، وإلا لم يكن لهم بُدٌّ من التسليم بالعقل في الجملة فيُناظَرون على التفاصيل ويُبَيَّن لهم الفرقان بين العقل والهوى.

أما الأهواء فقد أعان الله تعالى على أهلها باختلافهم فيها أشد الاختلاف؛ يُعلَم ذلك بتأمُّل أحوالهم.

بل من تدبر القرآن العظيم وجد فيه تكرر تنبيه الله تعالى على اختلاف الناس مع أن الحق واحد عنده، بل إنه يذكر أهواءهم بالجمع فيدل على تعددها كما تتعدد الظلمات مقابل النور، والسبل مقابل الصراط المستقيم، ونحو ذلك.

فيقال لأهل الأهواء: 

إن كانت كل تلك الأهواء عقل فالعقل متناقض، وما كان كذلك لم يقبل حكمُه لأنه لا يمكن إنفاذ مقتضاه، إذ التناقض يقتضي التضاد والتمانُع، وهذا مستحيل الوقوع، فالتشاغل بذلك بطالة محضة.

وإن كان العقل بعضها دون بعض فمن أين علمتم ذلك؟، إن قلتم: بالنقل= رجع الأمر إلى تصديقه، فيقال لهم: من أين علمتم صدقَه وصدقُه إنما يعلم بالعقل ؟ فهذا دور محال، فلم يبق إلا التحكم والتشهي وهو حقيقة الهوى ".

https://t.me/arrewayahalthkafh 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين