المسلمون في كمبوديا وفيتنام

في وسط وجنوب فيتنام مع الجزء المحازي لها من شرق كمبوديا كانت توجد أكبر مملكة مسلمة في شرق شبه جزيرة الهند الصينية ، وهي مملكة "التشامبا" ، والتي ينحدر منها عرق "التشام" والذي يشكل المسلمون غالبيته العظمي ومازالوا يعيشون في كمبوديا وفيتنام وبعض دول المهجر .

"مملكة تشامبا" كانت تعتنق الهندوسية قبل دخول أهلها في الإسلام ، وبعض المصادر تُرْجِع بداية دخول الإسلام لهذه البلاد إلي بدايات ظهور الإسلام ، وبعضها يرجع انتشار الإسلام فيها للقرن العاشر الميلادي ، وبلغت هذه المملكة أوج ازدهارها في القرن العاشر ، وبعد قرون دخلت في حروب مع الخمير في الغرب (كمبوديا) والفيتناميين في الشمال ، وظلت تتآكل حتى عام 1832، حين ضم الإمبراطور الفيتنامي "مينه مانج" ما تبقّى من أراضي التشام إلي مملكته نهائيا ، واضطهد أهلها ، وأسفر ذلك عن هجرة الملك المسلم الأخير للتشامبا "بو تشين" مع قومه إلى كمبوديا ، كما فرّت مجموعة صغيرة إلى الشمال حيث جزيرة "هاينان" الصينية ومازالوا بها حتى الآن .

قمت بزيارة مقاطعة "كامبونج تشام" في كمبوديا علي حدود فيتنام ، وهي المقاطعة التي هرب إليها غالبية المطرودين أو الناجين من مملكة تشامبا المسلمة ، وذهبتُ إلي قرية بينها وبين الحدود الفيتنامية خمسة عشر كيلو متراً ، وكان برفقتي أحد المدرسين العرب العاملين في مجمع تعليمي خيري يخدم أهل المنطقة ، أثناء تجوالنا بالقرية علا صوت المؤذن بصلاة المغرب بأداء متقن وصوت نديّ ، توجهنا للصلاة في المسجد ، وبعد الصلاة بادر المصلون بالسلام علينا ، وجلسنا في حلقة تعارف بعد انتهاء الصلاة ، تبادلت الحديث مع بعض الأساتذة والطلبة الكمبوديين من أهل القرية والعاملين في المجمع التعليمي وهم يتحدثون العربية بشكل مقبول ، ودار الحديث في جزء منه حول مملكة التشامبا ، فقالوا : نحن أحفاد هذه المملكة التي تشرّد أهلها وجاء معظمهم إلى كمبوديا ، ومازال على الطرف الفيتنامي يوجد آلاف المقابر للمسلمين الذين قُتِلوا أثناء حرب التطهير العرقي من الفيتناميين ضدهم في القرن التاسع عشر ، ومازال بقايا قصر آخر ملوك التشامبا موجودا هناك ، وأضافوا ؛ 

يسوؤنا أن ندرس هنا ما تكتبه كتب التاريخ المدرسية عن انتصارات "الخمير" علي مملكة "التشامبا" وكأن أهلها من الغزاة ، برغم أن سكانها هم سكان البلاد الأصليين مثلهم مثل الخمير ، ومازال هنا في كمبوديا يُقام أمام قصر ملك كمبوديا في العاصمة "بونم بنه" مسابقة سنوية للقوارب يشهدها الملك ويتسابق فيها فرق من مختلف أنحاء كمبوديا ، تخليدا لذكري انتصار الخمير علي مملكة التشامبا ، ولكن اليوم توارت هذه الخلفية التاريخية وأصبح سباقا قوميا احتفاليا يشارك فيه المسلمون .!

والمسلمون التشام عانوا كثيرا خلال فترة حكم الخمير الحمر في السبعينيات ، أما الآن فالمسلمون في كمبوديا يتمتعون بحرية كاملة في ممارسة شعائرهم واتباع تعاليم دينهم ، ويشاركون بمناصب رفيعة في كل مؤسسات الدولة .

وجدير بالذكر أن عدد المسلمين في كمبوديا قريب من المليون ضمن ستة عشر مليونا هم سكان البلاد الذين يعتنقون البوذية في عمومهم ، أما في فيتنام فيقل عددهم إلي حوالي 300 ألف وفق بعض التقديرات ، وفيتنام بصفتها مازالت دولة شيوعية تحت حكم الحزب الواحد والأوحد ، فمظاهر التدين بصفة عامة ضعيفة ، وتواجد المسلمين ضعيف كذلك .

 صورة مسجد السركال أكبر مساجد المسلمين في عاصمة كمبوديا بونم بنه

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين