الرد على شبهة يثيرها البعض حول حديث نبوي

البعض عندما يقرأ هذا الحديث النبوي الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح ) يعتبر أن ما تضمنه الحديث فيه انحياز للرجال ، وعدم مساواة بين الرجل والمرأة لأنه بالمقابل لا يوجد وعيد بالمثل للزوج إذا رفض دعوة زوجته للفراش .

وقبل تفنيد هذه الشبهة ينبغي بيان أن المقصد الأهم من هذا الحديث هو تحقيق العفّة بين الزوجين والبعد عن الحرام ، وإرشاد الزوجين للسعي بكل الوسائل تلبية حاجة الآخر ، وبهذا تتحقق الغاية من الزواج ، وتتمكن المحبة بينهما وتستقر حياتهما ، وبعد ذلك تنعكس على جميع أفراد الأسرة فيشعرون بالسعادة والأمان .

الحديث يعالج ظاهرة لا ينكرها إلا مكابر وهي أن الامتناع عن فراش الزوجية في الغالب إنما يكون من طرف الزوجة ، ولا أريد أن أتوسع في ذكر الأسباب التي تدعو الزوجة لمثل هذا الامتناع ، وأنه من النادر أن الزوج لا يلبي زوجته إذا دعته لذلك وإلا يعتبر ذلك نقصاً في رجولته.

وأمر آخر الحديث يشير لأمر يتعلق بطبيعة الرجال وهو أن صبر الزوج على ترك المعاشرة الزوجية أضعف من صبر المرأة‏ بسبب ما يجده من مثيرات وفتن ، لذلك جاء هذا الإرشاد النبوي لتقوم الزوجة بمساعدة الزوج في تلبية ذلك بصورة مشروعة .

وهذه بعض الإيضاحات بين يدي هذا الحديث النبوي :

1- يجب على الزوج أن يُعِفّ زوجته ، وأن يُعاشرها بالمعروف ، فالزوجة لم تخرج من بيت أهلها ، ولا تَرَكت العُشّ الذي درجَت وتَرَبّت فيه بَحْثًا عن طعام وشراب ، ولا يجوز للرجل أن يهجر امرأته إضراراً بها إلا إذا ظهر منها النشوز والعصيان.

وقد نصّ العلماء على أنه يجب على الزوج مُعاشرة زوجته ؛ لأن لها حقّا في المعاشرة ، ونَصّوا على أن لها ليلة من أربع ليال .

قال محمد بن معن الغفاري : 

( أتت امرأة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت : يا أمير المؤمنين إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل ، وأنا أكره أن أشكوه ، وهو يعمل بطاعة الله عز وجل . فقال لها : نِعْم الزوج زوجك ، فجعلت تُكرر عليه القول ، وهو يكرر عليها الجواب ، فقال له كعب الأسدي : يا أمير المؤمنين هذه المرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها عن فراشه ! فقال عمر : كما فهمت كلامها فأقض بينهما ، فقال كعب : عَلَيّ بزوجها ، فأُتِي به فقال له : إن امرأتك هذه تشكوك . قال : أفي طعام أم شراب ؟ قال : لا ، فقالت المرأة :

يا أيها القاضي الحكيم رشده *** ألهى خليلي عن فراشي مسجده

زَهّده في مضجعي تعبده *** فأقضِ القضا كعب ولا تردده

نهاره وليله ما يرقده ** فلست في أمر النساء أحمده

فقال زوجها :

زَهّدني في فرشها وفي الحجل *** إني أمرؤ أذهلني ما قد نزل

في سورة النحل وفي السبع الطول *** وفي كتاب الله تخويف جلل

فقال كعب : إن لها عليك حقا يا رجل *** نصيبها في أربع لمن عقل

فأعطها ذاك ودع عنك العلل .

ثم قال : إنَّ الله عز وجل قد أحلّ لك من النساء مثنى وثلاث ورباع ، فلك ثلاثة أيام ولياليهن تَعبد فيهن ربك . 

فقال عمر : والله ما أدري من أي أمْرَيك أعجب ؛ أمِن فهمك أمرهما أم من حكمك بينهما . اذهب فقد وليتك قضاء البصرة ) .

2- وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن للزوجة حقا فلا يجوز إهماله حتى ولو في إنشغال بعبادة يتعبد بها الزوج ربه إذا أدت إلى التفريط بحقوقها ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص : ( فإن لجسدك عليك حقا ، وإن لِعينك عليك حقا ، وإن لزوجك عليك حقا ، وإن لزورك عليك حقا ) .

وقال سلمان رضي الله عنه لأبي الدرداء رضي الله عنه : إن لربك عليك حقّـا ، ولنفسك عليك حقّـا ، ولأهلك عليك حقّـا ، فأعطِ كل ذي حق حقّه . رواه البخاري. وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن قول سلمان : صَدَق سلمان .

3- الحديث ليس على إطلاقه كما يتوهم بعض الرجال، فليس كلما امتنعت المرأة وأبت دعوة زوجها إلى فراشه فقد حقَّت عليها لعنة الملائكة، بل الوعيد مقيَّدٌ بحالة عدم وجود العذر الشرعي. 

فإذا كانت المرأة معذورة شرعاً فلا حرج عليها أن تأبى دعوة زوجها لها إلى الفراش، كما لو كانت في صوم قضاء، أو كانت مريضة والجماع يؤلمها، أو يزيد من مرضها، أو كانت في حالة نفسيَّة سيئة لا تحتمل معها أن يواقعها زوجها.

والمقصود أنه متى كان الجماع يسبِّب للزوجة ضرراً بيناً لم يكن عليها من حرج أن تأبى دعوة زوجها إلى الفراش، بل يجب عليها الامتناع عندئذ. 

ولكن لا يجوز للمرأة أن تتمنع عن الوطء لمجرد عدم رغبتها فيه، فهي ـ في عدم وجود العذر الشرعي ـ مأمورة أن تستجيب لرغبة زوجها، فإن أبت حقَّ عليها وعيدُ الحديث.

3- وإنما ورد هذا الوعيد في شأن الزوجة دون الزوج؛ لأن الرجل – في الغالب – هو الطالب، والمرأة هي المطلوبة، والرفض لا يُتصوَّر إلا من المطلوب، والغالب أن الرجل هو الذي يدعوها للفراش، وقليلٌ ما تدعوه هي لذلك، وإذا دعته فقليل ما يأبى الزوج دعوتها، ولذا كان الزجْر أغلظ على الطرف الذي يتصَّور منه التمنع أكثر؛ لكونه مطلوباً، وهو المرأة.

4-إن كان الزوج يفعل هذا من باب التعنت والإضرار فيكون آثما ومقصرًا فيما يجب عليه نحو زوجته، وهذا يتنافى مع حسن العشرة بين الزوجين والتي أمر الله بها في محكم التنزيل (وعاشروهنَّ بالمعروف) .

ولكن إذا تمادى الزوج في ذلك فهذا يسمى إيلاء، فإن لم تستطيع الزوجة الصبر وتخاف على نفسها الفتنة ففي هذه الحالة يحق لها رفع الأمر للقضاء، والقاضي يأمره بالوطء، ويضرب له أمدا فإن فاء فبها ونعمت ، وإن أبى فإن القاضي يطلقها منه ؛ لتعنته.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين