فقهُ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ (5 - 5 )

درجات إنكار المنكر

نلاحظ في فقه الاستطاعة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الملاحظات الآتية:

• إن الإنكار والتغيير باليد واللسان ربطا بالاستطاعة، بينما الإنكار بالقلب يستطيعه كل مسلم، فلم يذكر فيه الاستطاعة، وهو في الوقت نفسه مؤشر على صدق الإيمان، فمن تأثّر قلبه لرؤية المنكر وتمعّر وجهه فهذا من علامات صدق الإيمان، وتعظيم حرمات الله والغيرة على محارمه، وأمّا من لم يجد في قلبه شيئًا من هذا فيخشى أن يكون ذلك من علامات ضعف الإيمان، فكيف لو سرّ بالمنكر وانشرح له صدره، فلا شك أنّ شائبة النفاق شابت إيمانه.

• إن التغيير باليد يقوم به من كان قادرًا عليه، لكن ينبغي التنبيه على مسائل:

الأولى: التغيير باليد واجب في دائرة المسؤولية والرعاية لقوله صلى الله عليه وسلم : (والرجل راعٍ على أهل بيته ومسؤول عن رعيته) (1)، وهكذا في كل دوائر المسؤولية، ويقع على قمة هرم المسؤولية، الحاكم ذو السلطان، فهو مسؤول عن الأمة بأسرها، ومن أوجب واجباته تغيير المنكر باليد حفاظًا على الدين.

الثانية: إذا ترتب على تغيير المنكر باليد فتنة؛ لم يجز لآحاد الناس أن يقوموا بذلك، كما هو حال زماننا إذ عم الجهل بأحكام الشريعة وضعف القائمون بأحكام الدين وشرائعه، فإنّه لا يؤمن الفساد والفتن لو أطلق جواز التغيير باليد في مثل هذه الأحوال، فيقتصر التغيير باليد على الحاكم أو من يقيمه الحاكم في أمر الحسبة، على أن يكون التغيير باليد على قدر الحاجة، ويدخل ذلك التغيير في دائرة المسؤولية.

• ويبقى الإنكار باللسان جائزًا بشروطه، قال الجويني: (ويسوغ لآحاد الرعية أن يصدَّ مرتكب الكبيرة إن لم يندفع عنها بقوله، ما لم ينته الأمر إلى نصب قتال وشهر سلاح، فإن انتهى الأمر إلى ذلك رُبط الأمر بالسلطان) (1). 

وفي الختام، هذه جملةٌ من آدابِ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر وأحكامِها، حريّ بكل مسلم أن يطَّلع عليها ويكون على علمٍ ودرايةٍ بها، لأنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أوجب الواجبات، لكن عن علم وفقه وحكمة، والله الموفِّق والهادي إلى سواء السَّبيل.

المصدر : العدد الرابع من مجلة مقاربات التي يصدرها المجلس الإسلامي السوري 

تنظر الحلقة الرابعة هنا 

======-

(1) سبق تخريجه.

(2) السيل الجرار للشوكاني ص586

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين