مفارقات بين غباء الصهاينة وإباء الأتراك

أ.د.صلاح الدين سلطان


في حادثة الاعتداء الصهيوني على قافلة الحرية تمثل الغباء السياسي والعسكري والإعلامي بكل معانيه لدى الكيان الصهيوني مما جعلهم فعلا يشرعون فيما قاله تعالى: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) (الحشر:2) ويحققون ما ذكره كعب بن أسعد القرظي سيد بني قريظة عندما وصف قومه من عشائر اليهود فقال: "يا قوم! أفي كل مرة لا تعقلون؟!" على حين تمثل الإباء التركي حيث كان السقف هابطا في عالمنا العربي والإسلامي؛ فبعد أن كانت قضية فلسطين قضية إسلامية، وأبى السلطان عبد الحميد أن يبيع شِبرًا منها لأنها وقف لله تعالى اختُزلت إلى قضية عربية، ثم قضية تخص محور التصدي العربي، ثم قضية فلسطينية ثم تمزيق الصف الفلسطيني بخيانات داخلية من أبناء فلسطين ودول عربية مجاورة؛ وبيعت أرض القدس بلا ثمن فنزل السقف وانحنت الأمة بأسرها، وقدمت المبادرة العربية بأيد كسيرة، ونفوس ذليلة، تتوسل إلى الصهاينة أن يرضوا عنهم، وأن يقبلوا مبادرتهم لكنهم ركلوها بأرجلهم، وبادروها بالإهمال والتحقير، ووصموها بأنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به، ومُرِّغت أنوف أعلام وقادة، ووزراء وسادة، في وحل الذل والمهانة، لكن الإباء التركي أعاد للقضية الفلسطينية إسلاميتها، ورفع السقف عاليا منذ أحداث غزة ومؤتمر "دافيس" وأُجْبِرت الحكومة ووزارة الخارجية والكنيست على الاعتذار مرارا للشعب التركي، والآن يقف أردوغان العملاق بجواره وزير خارجيته الألمعي، وكل طوائف وأحزاب الشعب التركي الأبيُّ، عزما وإصرارا على ضرورة تأديب الكيان الصهيوني وتقليم أظافره، ولقد علا فوق الجرح التركي الذي كان صاحب التضحيات الكبرى في هذه القافلة؛ لكي يحرك في العالم المشاعر الإنسانية، ويوقد في الأمة المشاعل الإسلامية، فتحركت شعوب في كل دول العالم ضد إسرائيل حتى قال كبير أغبيائهم ورئيس كيانهم: "ما كنا نعلم أن في كل بيت في العالم عدوا لإسرائيل"، فأغرقت المظاهرات الكيان الصهيوني باللعنات، وامتلأت الشاشات بالضجر من هذه الاعتداءات، وتزايد العزم على حصار إسرائيل وكسر الحصار عن أصحاب المروءات، من أهل غزة رمز العزة، ولا يكاد يخفى على بصير أن حماقة بني صهيون والأنظمة العربية التي سارت تحت قدميه وصارت حراسا لمطامعه، مسوغة لمظالمه يصدق في هؤلاء جميعا ما كتبه المستشار أ.د.علي جريشة بعنوان: "عندما يحكم الغباء!"، وأحسب أنه في حاجة لطبعة جديدة يجعل الكيان الصهيوني وعملاءه يحصلون على الدرجة الأولى والجائزة الكبرى في الغباء والحماقة والنذالة والخسة، أما المشروع التركي فهو يحتاج إلى كتب ودراسات، وأبحاث ومقالات تحت عنوان: "عندما يحكم الإباء" آنئذ سيخرج جيل جديد لا يعرف الانحناء، ويتحرك في مضاء، لا يخشى الغباء بل يقدم الشهداء؛ ليوقظ الأحياء، ويسترضي رب الأرض والسماء.


يا قومي ليس أمامنا إلا أن نكون أنصارا وحلفاء لمشروع الغباء أو مشروع الإباء (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (الأنعام:55)، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (المنافقون:8)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين