الاستجارات المعاصرة وعَمرو ذو الوجوه المتعدّدة!

في المثل القديم :

والمُستجيرُ بعَمرٍو ، عندَ كُربَتهِ = كالمُستجير، من الرَمضاء ، بالنارِ !

أصلُ المثل :

يُروى أنّ كُليباً ، ملك تغلب ، بعد أن طعنه جسّاس ، في أرض خلاء ، ولم يكن ، بالقرب منه ، أحد يُنجده ، مَرّ به رجل ، من أقاربه ، اسمه : عمرو ، فرآه طعيناً ، في حالة حرجة ! فاستجار به كليب، ظانّاً أنه سيُنجده ! ولكنّ الرجل ، حين اقترب منه ، أجهَز عليه ، ومضى ! وحين علم الناس ، بالحادثة ، قال أحدهم ، بيت الشعر، الذي ذهب مثلاً !

هذا ، في القديم ! أمّا في العصر الحديث ؛ فحدّثْ ، ولاحرَج !

لقد كثرَ أمثالُ جسّاس ، في الغدر.. وكثرَ أمثالُ كليب ، في طلب النجدة ، من غير أهلها .. وكثرَ أمثال عمرو، في الإجهاز على الملهوف ، الذي يطلب النجدة !

استجار الشعب الفلسطيني ، مئات المرّات ، ومنذ بداية نكبته .. بالأمم المتّحدة وهيئاتها ، والدول الغربية، وحكّام العرب .. طالباً الإنصاف ، فلم يجد ، عند أحد ، سوى الوعود ، التي أطالت محنته ، ومنحت الصهاينة المحتلّين ، الفرص الكثيرة ، للتمكّن ، من تحقيق أهدافهم ، في فلسطين ! إنها : وعود المُخادعين الكَذَبة ، ووعود الصادقين العجَزة !

استجارت الشعوب العربية ، التي صنعت ربيعها ، بدول الغرب ، لمناصرتها ، ضدّ قوى الشدّ العَكسي، فوَجدت ، من دول الغرب ، خُبثاً ، أشدّ من خُبث عمرو، تجاه كليب ! والذي أغرى شعوبَ الربيع العربي ، أساساً ، في طلب المساعدة ، من دول الغرب ، هو ماتسمعه ، هذه الشعوب الثائرة ، من حكومات الغرب ، من تغنٍّ بالديموقراطية ، وتَظاهُر بالحرص عليها ، ورغبة برؤية شعوب العالم ، جميعاً ، تنعم بها !

استجار بشار الأسد ، بالفرس والروس ، لتثبيت كرسيّه ، فاستأثر الفرسُ ، بالهيمنة ، على قسم ، ممّا بقي لديه ، من : شعبه ، وبلاده ، وقراره ، وسيادة دولته ! واستأثر الروس ، بالهيمنة ،على قسم آخر،ممّا بقي لديه، من : شعبه ، وبلاده ، وقراره ، وسيادة دولته ! ممّا دعا أمريكا ، إلى احتلال قسم آخر، من دولته ، والهيمنة على قسم ، ممّا بقي لديه ، من : شعبه ، وبلاده ، وقراره ، وسيادة دولته ! فصار- بعد أن خرجت من طاعته، أكثريّة شعبه – بلا شعب ، ولا قرار ، ولا سيادة وطنية ! وظلّ واجهة للمحتلّين ، الذين جلبهم ، إلى وطنه ، أي: ( جلبَ الدبَبةَ إلى كَرمِه) ! وصار لايملك ، حتى حرّية التصرّف ، بنفسه وأهله ! ولو أراد الخروج ، من سورية ، إلى أيّ بلد ، في العالم ، لمنعَه الفرسُ ، من ذلك ، بالقوّة ، وبتهديد السلاح ؛ لأنهم يريدون بقاءه ، واجهة لهم ، لإنجاز مشروعهم : الإمبراطوري ، الفارسي ، الصفوي ، الرافضي ، في المنطقة العربية ، كلّها، ومِن ورائها ، العالم الإسلامي ، كلّه ! ولمنعَه الروسُ ، بالقوّة ، وبتهديد السلاح ، أيضاً ، من مغادرة سورية؛ لأنهم يريدونه واجهة ، لسيطرتهم على سورية ؛ لحفظ المكاسب الروسية ، التي حقّقوها في سورية ، ثمّ ، في المنطقة .. ولمناكفة أمريكا ، ومساومتها ، على مصالح ، مختلف عليها ، في العالم ، بين الدولتين النوويتين !

استجار بعضُ حكّام العرب ، بأمريكا ؛ لتحميهم ، من خطر إيران ! فباشرت أمريكا : بابتزازهم ، ونهب المزيد من أموالهم .. وتحقيق المزيد من السيطرة ، على دولهم وقراراتهم ! فدخلت إسرائيل ، بصفتها: (عدوّة لإيران!) في صُلب المعادلة ، ثمّ : صارت حليفاً ، للدول المرتمية ، في حضن أمريكا .. في مواجهة إيران ! وصارت إيران ، هي الفزّاعة الرهيبة ، التي تخوّف بها أمريكا وإسرائيل ، هذه الدولَ العربية ، لمزيد من إخضاعها، للهيمنة الصهيونية والأمريكية ! وتقبض إيران – بالطبع - ثمناً كبيراً، لقاء القيام ، بدور(الفزّاعة!)، التي تزيد ، من إرهاب العرب ، وإخضاعهم ، لابتزاز أمريكا وإسرائيل ! وكلّما رغب الصهاينة ، بمزيد ، من خضوع الحكّام العرب ، غمَزوا إيران ، فأرسلت بعض التهديدات الكلامية ، أو قامت ، ببعض المناورات العسكرية ، بالقرب من الحكّام المذعورين ! وهكذا..! 

وكلّه سياسة !

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين