منهجُ صناعةِ القدوةِ الحسنةِ في الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ (5 -5)

                                                                                                                                           

واقع صناعة القدوة في عصرنا:

إن واقع صناعة القدوة في العالم العربي والإسلامي اليوم يعاني من ضياع مرير لا يختلف كثيرا عما تعيشه الأمة في ميادين الحضارة الأخرى، فمن جهة نفتقد القدوة الصالحة الذي تطابق أفعاله أقواله ومبادئه إلا ما رحم ربي، ومن جهة أخرى لا نجد العناية الكافية من الحكومات والمؤسسات المدنية لرعاية أصحاب الكفاءات والمواهب وتهيئتهم لخدمة الأمة والعمل لأجلها تحت كل الظروف.

وأخطر شيء في هذا الباب ما تعمل عليه وسائل الإعلام المرئية من تنظيم مسابقات للغناء والمواهب التافهة، حيث تقصد هذه البرامج إلى جعل الفنان أو الفنانة الفلانية المثل الأعلى لأبنائنا وأطفالنا، وليس فلان أو فلانة في أغلب الأحيان إلى أناس من أحط المستويات الأخلاقية والمهنية في المجتمع شهرتهم ممارسة السفالة الأخلاقية وارتياد الحفلات الداعرة.

نعم في مقابل ذلك نجد كثيرا من المؤسسات الدينية والمدنية تعتني بتربية الطلاب وتنشئتهم على العلم والأخلاق، ولكن هذه المؤسسات غالبا ما تعجز عن تحقيق الأهداف التي بنيت لأجلها إلا في حدود ضيقة ونسب محدودة، ويعود السبب في ذلك إلى الخلل في محورين من محاور التربية الثلاثة، إذ إن عملية التربية وتهيئة القدوة تقوم على أركان ثلاثة الأول التلميذ والثاني المربي والثالث التربية، وغالبا ما يقع الخلل في فقدان المربي الصالح الذي يوافق قولُه عملَه وعملُه قولَه، أو في اتباع أساليب تربية خاطئة نتيجة لتصورات مشوهة عن الدين والحياة والأهداف المناطة بالجيل المسلم، وكثيرا ما يتم الاعتناء بالموهوبين وأصحاب القدرات لخدمة أفكار وأهداف جماعة معينة عوض العمل لأجل الأمة الواحدة، ومن عاش الواقع وعرفه يجد الخلل لا يعدو أحد هذين المحورين.

الخاتمة:

لقد كان هذا البحث محاولة لإضاءة هذا الجانب المهمل في واقع مؤسساتنا التربوية اليوم؛ لصالح مجموعة من التصورات الاعتباطية والعشوائية أو الغربية عن فن التربية وصناعة الرجال.

وإننا مطالبون اليوم بنشر الوعي بقضية التربية الصالحة وصناعة القدوة وفق أسس علمية صحيحة مستندة إلى توجيهات الشرع الحكيم، والتجارب العلمية المعاصرة أو السابقة التي وردتنا عن أسلافنا.

التوصيات:

1- يجب على أهل العلم والسيادة في المجتمع أن يبدؤوا بإصلاح نفوسهم ومراقبتها ومحاسبتها على كل صغيرة وكبيرة ليكونوا قدوة صالحة لنشء هذه الأمة وشبابها.

2- ينبغي أن يهتم الباحثون بهذا الجانب من الدين لما له من أثر كبير في تصويب عملية التربية وتطوير أساليب صناعة القدوة الحسنة.

3- لقد تطور هذا العلم في الغرب تطورا كبيرا وينبغي أن ندرس أساليب التربية المعاصرة للاستفادة منها في صناعة القدوة المناسب لزماننا وعصرنا.

4- إن أهداف الغرب من صناعة القدوات أو الرموز تختلف عن أهداف الإسلام، ولهذا ينبغي الحذر فيما ننقل عنهم، والسبيل إلى معرفة صوابه من خطئه فهم الفكرة الإسلامية عن الحياة أولا، ثم المقارنة بين مقاصد الدين في هذه الحياة ومقاصد الحضارة الغربية المادية، ومن ثمَّ سنتمكن من اختيار الوسائل المعاصرة التي لا تتعارض مع ثقافتنا ومبادئنا الإسلامية، وذلك بعد استيفاء الأساليب الإسلامية في ذلك.

5- على المؤسسات التربوية أن تشمل في برامجها كل شرائح المجتمع وليكن التركيز على جيل الشباب بدل التركيز المستمر على جيل الأطفال.

6- بالنسبة لواقعنا السوري فإن على مؤسساتنا أن تخصص جزءا من نفقاتها الإنسانية لصناعة النخب الصالحة والاعتناء بهم لعله يكون على يدهم الخلاص لشعبنا السوري المشرد في مشارق الأرض ومغاربها.

7- علينا أن نشيع فكرة احترام القدوة وتقديره في مجتمعنا السوري، وينبغي أن يعرف الناس أن القدوة بشر يخطئ ويصيب، ولا يجوز الانجرار خلف الإعلام وأبواقه في إسقاط قادة المجتمع عند أول خطأ، بل ينبغي التعامل مع صوابهم وخطئهم بإنصاف تام.

8- على من يجد في نفسه القدرة على أن يكون قدوة حسنة لمجتمعه في أي مجال من مجالات الحياة أن يتقدم بنفسه ويأخذ مكانه، ولا ينتظر حتى يكتشفه الآخرون، فإن الأمة بأمس الحاجة إلى المثل الصالحة في مجتمعنا، والله محاسب كل عبد على ما وهبه وأعطاه.

والحمد لله رب العالمين

المصدر : العدد الرابع من مجلة مقاربات التي يصدرها المجلس الإسلامي السوري   

تنظر الحلقة الرابعة هنا 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين