حقوق الإنسان بين الشريعة والقانـون (9)

كيف هي حقوق الإنسان وكفالتها في الإسلام، وكيف تطبق بشفافية في ظله 

وكيف هي في القوانين الوضعية

لقد سعى العديد من الباحثين والمستشرقين الغربيين إلى نقل صورة مشوهة عن حقوق الإنسان في الإسلام - باستثناء قلة من المنصفين - وبثوا في صفوف المجتمعات الغربية هذه الصورة المشوهة عبر ما يملكون من وسائل متقدمة في عالم الإعلام والنشر، المرئي والمسموع والمقروء.

ونجح هؤلاء - إلى حد بعيد - في تحقيق أغراضهم الرخيصة، وفي التنفيث عن أحقادهم الدفينة، وكان في مقدمة ضحاياهم بعض من ساقتهم أحلامهم لارتشاف العلم والمعرفة في جامعات الغرب في بواكير القرن العشرين، من الشباب المسلم الطامح.

كما ولعبت الماسونية، والمنظمات اليهودية والصليبية المتصهينة المتعصبة والحاقدة دوراً لئيماً في إشاعة مثل هذه الأباطيل والمفتريات والأكاذيب الملفقة والمدسوسة بحق ديننا الإسلامي الحنيف.

أيضا كان لضمور الوعي عند المسلمين، وتخلفهم عن ركب المدنية خلال القرنين أو الثلاثة الماضيين بفعل الحملات الاستعمارية الغاشمة التي توجت بحملة (نابليون بونابرت) على مصر، وبحكم طغاة (الاتحاد والترقي) لمعظم بلدان العالم العربي والإسلامي باسم الخلافة العثمانية.

وقد تميز حكم رجال الاتحاد والترقي بالاضطهاد وتفشي الجهل والأمّية والتخلف. كذلك كان للاستعمار الفرنسي والإنكليزي والإيطالي والهولندي والإسباني والبرتغالي الذي حل في معظم البلدان العربية والإسلامية وجثم على صدرها لعقود طويلة لما عانته وتعانيه بلاد العرب والإسلام من تخلف وقهر وحرمان.

وكان لهذا الاستعمار ولجماعة الاتحاد والترقي الأثر الكبير على حال وواقع المسلمين، فقد جعلهم يقبعون في زاوية النسيان والإهمال، مغربين عن دينهم بفعل اضطهاد مقيت، وتفرقة عرقية وعنصرية ودينية وطائفية لم يألفها المسلمون على مر عصورهم.

وهذه الأحوال جعلت الشعوب العربية والإسلامية لا شاغل لها إلا الانعتاق من أصفاد هذا الاستعمار لتنسم الحرية، متعلقين - في سبيل تحقيق ذلك - بكل الحبال دون النظر إلى منابتها وأصولها وتكوينها.

ولا بد لنا من أن نَصْدُقَ مع أنفسنا ونعترف بأن ما يجري من خروقات فاضحة وفظيعة بحق الإنسان في معظم البلدان العربية والإسلامية كان ولا يزال ذريعة وغطاء، عرف الحاقدون علينا وعلى ديننا كيف يستثمرون هذه الخروقات، أقلها تصدر أسماء بلداننا لقوائم الدول التي تنتهك حقوق الإنسان سواء منها ما يصدر عن الأمم المتحدة، أم ما يصدر عن بعض جمعيات حقوق الإنسان غير الرسمية. وهذا كله كان الوسيلة للطعن في ديننا الإسلامي الحنيف، وتصويره على أنه: قاصر عن تحقيق العدالة الاجتماعية وإشاعة الأمن والعدل والمساواة بين الناس، وأن الإسلام يشجع على القتل والإرهاب.. خالطين بين ما هو كفاح وجهاد وبين ما هو قتل وسفك للدماء، مروجين أن لا طريق لترسيخ قواعد الحرية وصون حقوق الإنسان إلا بفصل الدين عن الدولة - وهذا بالفعل ما هو قائم في البلاد العربية والإسلامية منذ استقلال هذه البلاد وما يزال حتى يومنا هذا - وانسلاخ المسلمين عن دينهم.

وللإنصاف يجب أن نُقر بأن هناك من سبقونا بأشواط بعيدة في مجال حماية حقوق الإنسان في كثير من بلدان العالم - بعد أن فصلنا الدين عن الدولة وانسلخنا عن ديننا وقيمنا وأخلاقنا - حيث حقوق الإنسان مصانة ومحمية بقوانين إلى حد بعيد.

وحتى نثبت لهؤلاء الحاقدين المفترين، وللمغرر بهم، أن ديننا الإسلامي الحنيف هو بعكس ادعاءاتهم، ويخالف زيف مقولاتهم فإننا نستعرض بمقارنة بسيطة كيف هي حقوق الإنسان وكفالتها في الإسلام، وكيف تطبق بشفافية في ظله، وكيف هي في القوانين الوضعية التي تغض الطرف عن الخروقات الفظيعة لحقوق الإنسان، تحت مسميات قانونية ابتدعوها لتكون الغطاء لممارساتهم الوحشية بحق الإنسان بل وبأبسط حقوقه التي يتميز بها عن باقي المخلوقات.

لقد أشاع أعداء الإسلام أن ديننا الإسلامي الحنيف ما هو إلا دعوة دينية لا علاقة له بأمور الدنيا أو السياسة، وقالوا: (لا يجوز تسييس الدين). مسدلين بذلك على أعينهم غشاوة سوداء تحجب نور الحقيقة التي لا مراء فيها، وهي أن ديننا يقوم على تشريع شامل ومتكامل يتعامل مع كل مفردات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعبادية، وأنه جاء ليحكم كافة السلوكيات الإنسانية الفردية منها والجماعية، مهتماً بتنظيم علاقة الإنسان بربه، وعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وعلاقة الإنسان بأسرته، وعلاقة الإنسان بمجتمعه، وعلاقة الإنسان بالدولة، كذلك علاقة الدولة بالأفراد والمجتمع والدول، وعلاقة الحاكم والمسئول الإداري بالناس، وغير ذلك من العلاقات والتنظيمات السياسية والإدارية والاجتماعية والاقتصادية، دون أن يغفل عن أمر كبير أو صغير. وقد ظن بعض الغافلين أن التقدم الذي حصل في الغرب لم يحصل إلا بعد فصل الدين عن الدولة ويريدون فعل ذلك في بلادنا لنصل إلى ما وصلوا إليه من مدنية وتقدم علمي وتطور تكنلوجي ومعلوماتي، وهؤلاء نسوا أن ديننا يدعو إلى العلم والأخذ بأسباب الحياة والتعامل مع الحقائق والمسلمات طالما أن ذلك لا يمس صلب ديننا ومعتقدنا، وأن صفوة العلماء والمفكرين من أطباء وفلاسفة ومهندسين كانوا من كبار الفقهاء والمجتهدين في الإسلام.

لقد توصل الغرب في العاشر من كانون الأول 1948م إلى توقيع (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) بعد حربين عالميتين مدمرتين ساقوا إلى أتونها ملايين الجنود، وسخروا لها ما تفتقت عنه عبقريتهم من أسلحة الدمار والقتل والإبادة الجماعية في البر والبحر والجو.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين