حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون (7)

شهادة بعض المفكرين المنصفين الغربيين

بصون حقوق الإنسان في دولة الإسلام

يقول المؤرخ آدم ميتز: (كان أهل الذمة - بحكم ما يتمتعون به من تسامح المسلمين معهم ومن حمايتهم لهم - يدفعون الجزية، كل بحسب قدرته، وكانت هذه الجزية أشبه بضريبة الدفاع الوطني، فكان لا يدفعها إلا الرجل القادر على حمل السلاح، فلا يدفعها ذوو العاهات ولا المترهبون، وأهل الصوامع إلا إذا كان لهم يسار).

ويقول هذا المؤرخ أيضاً: (ولم يكن في التشريع الإسلامي ما يغلق دون أهل الذمة أي باب من أبواب الأعمال، وكانت قدمهم راسخة في الصنائع التي تدر الأرباح الوافرة، فكانوا صيارفة، وتجاراً وأصحاب ضياع، بل إن أهل الذمة نظموا أنفسهم بحيث كان معظم الصيارفة الجهابذة في الشام مثلاً يهوداً، على حين كان أكثر الأطباء والكتبة نصارى، وكان رئيس النصارى ببغداد هو طبيب الخليفة، وكان رؤساء اليهود وجهابذتهم عنده).

ويقر هذا المؤرخ قائلاً: (من الأمور التي نعجب لها كثرة العمال والمتصرفين غير المسلمين في الدولة الإسلامية، فكان النصارى هم الذين يحكمون المسلمين في بلاد الإسلام. فيقول الشاعر المصري (الحسن بن خاقان) في يهود عصره: 

يهود هذا الزمان قد بلغـــوا … غاية آمالهم وقد ملكوا

المجد فيهم والمال عندهمـــو … ومنهم المستشار والملك

يا أهل مصر، إني نصحت لكم … تهودوا، قد تهود الفلك

ويقول المؤرخ غوستاف لوبون: (رأينا من آي القرآن التي ذكرناها آنفا أن مسامحة محمد لليهود والنصارى كانت عظيمة للغاية، وأنه لم يقل بمثلها مؤسسو الأديان التي ظهرت قبله كاليهودية والنصرانية على وجه الخصوص، وسنرى كيف سار خلفاؤه على سنته، وقد اعترف بذلك التسامح بعض علماء أوروبا المرتابون أو المؤمنون القليلون الذين أمعنوا النظر في تاريخ العرب).

وقال روبرتسن: (إن المسلمين وحدهم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم وروح التسامح نحو أتباعهم من الأديان الأخرى، وأنهم مع امتشاقهم الحسام نشراً لدينهم، تركوا من لم يرغبوا فيه أحراراً في التمسك بتعاليمهم الدينية).

ويقول ويل ديورانت: (لقد كان أهل الذمة المسيحيون، والزرادشتيون، واليهود، والصابئون يتمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح، لا نجد لها نظيراً في البلاد المسيحية في هذه الأيام. فلقد كانوا أحراراً في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم، ولم يفرض عليهم أكثر من ارتداء زي ذي لون خاص، وأداء ضريبة عن كل شخص تختلف باختلاف دخله، وتتراوح بين دينار وأربعة دنانير (في السنة)، ولم تكن هذه الضريبة تفرض إلا على غير المسلمين القادرين على حمل السلاح، ويعفى منها الرهبان والنساء، والذكور الذين هم دون البلوغ، والأرقاء، والشيوخ، والعجزة، والعمى الشديد، والفقر. وكان الذميون يُعفون في نظير ذلك من الخدمة العسكرية، وكانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لزعمائهم وقضاتهم وقوانينهم).

ويعترف (ترتون) بتسامح حكام المسلمين فيقول: (وليس أدل على ذلك من كثرة استحداث الكنائس، وبيوت العبادة في المدن العربية الخالصة. ولم تخل دواوين الدولة قط من العمال النصارى واليهود، بل إنهم كانوا يتولون في بعض الأحيان أرفع المناصب واخطرها، فاكتنزوا الثروات الضخمة، وتكاثرت لديهم الأموال الطائلة، كما اعتاد المسلمون المساهمة في الأعياد المسيحية).

وكتب المؤرخ (سير توماس آرنولد) عن الغرض من فرض الجزية على من فرضت عليه فيقول: (ولم يكن الغرض من فرض هذه الضريبة على المسلمين - كما يريدها بعض الباحثين على الظن - لوناً من ألوان العقاب لامتناعهم عن قبول الإسلام، وإنما كانوا يؤدونها مع سائر أهل الذمة، وهم غير المسلمين من رعايا الدولة الذين كانت تحول ديانتهم بينهم وبين الخدمة في الجيش، في مقابل الحماية التي كفلتها لهم سيوف المسلمين). 

وتقول (لورافيشيا فاغليري):

(نحن نعلم أنه كانت لبلاطات الإسلام ومدارس العرب آنذاك – القرون السالفة – منزلة رفيعة جعلت العلماء الغربيين يقتفون آثارهم، وأن هارون الرشيد أصدر أمره آنذاك بأن يلحق بكل مسجد مدرسة يتلقى فيها الطلاب مختلف العلوم، وأن المكتبات الحافلة بمئات الآلاف من الكتب كانت مشرعة الأبواب آنذاك في وجه العلماء والدارسين في طول العالم الإسلامي وعرضه، ألم يكن العرب أول من اصطنعوا الطرائق التجريبية قبل أن يعلن (بيكون) ضرورتها بزمن طويل؟ وتطور الكيمياء، وعلم الفلك ونشر العلم الإغريقي، وتعزيز دراسة الطب واكتشاف مختلف القوانين الفيزيائية؟).

ثم تشير الكاتبة إلى الجمود الذي أصاب المسلمين والتأخر الذي اكتنف مجتمعاتهم، وإلى أسبابه، إلى أن تخلص في النهاية إلى أن المسلمين إذا رجعوا إلى أصل عقيدتهم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فسيعيدون مجدهم، فتقول: (حتى إذا نهلوا مباشرة من معين هذا الكتاب المقدس، فعندئذ يستعيدون قوتهم السابقة من غير ريب).

يتبع

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين