البناء أولاً والتحصين ثانياً

من مداخل الشيطان الخفية: الإخلال بالمنهج الحق من خلال "الانشغال بمقاومة الآخر على حساب بناء الذات وعدم معرفة الأولويات في ذلك وافتقاد التوازن في الجهد المطلوب".

ودليل ذلك ما نراه من الجهد المعرفي المطروح والجهد الميداني المبذول الذي يكشف هذا الخلل.

والمنهج العام الذي نريد توضيحه هو أن الاسلام اعتنى ببناء الذات فردا وجماعة ودولة وأمَّة أولا، واعتنى بتوضيح حقيقة العدو وطبيعة الصراع معه وسبل مقاومته ثانيا.

وبتعبير مختصر: " التحدّي الحقيقي يكمن فيما تريد لا فيما لا تريد".

والاختلال الحاصل هو قلب هذه المعادلة والمنهج لتستهلك في نطاق التحصين بدل البناء، ونطاق الدفاع بدل المبادرة،

ونطاق الانشغال بإنجاز العدو بدل الانشغال بإنجازك.

لقد شغل أقوام أنفسهم في مقاومة الآخرين، فلما حان دورهم ليحلوا محلهم كان البناء الذاتي لهم قاصرا، فأصبح كمن فتح مصنعا وانشغل بما ينتجه الآخرون دون إنتاج ذاتي خاص فاستهلكته المنافسة عن الإنتاج.

إن نصوص البناء العقائدي والمعرفة بالله للمسلم أكثر بكثير جدا من نصوص التحذير من الشرك والإخلال بالتوحيد والعقيدة لان هذه النصوص حماية لبناء العقيدة.

وإن نصوص الأوامر أكبر بكثير جدًا من نصوص النواهي فنصوص إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مثلا أكثر بكثير جدا من نصوص التحذير من تركهما لأن التحذير حماية لوجودهما.

إن نصوص بناء الأمَّة المسلمة أكثر بكثير جدا من نصوص الجهاد لأنَّ الجهاد مشروع حماية لوجود الأمة.

وإن الأمر بالمعروف مقدَّم دائما في النصوص على النهي عن المنكر لأن الثاني حماية للأول.

وإن جهد النبي صلى الله عليه وسلم في بناء أمة وكيان أكبر بكثير جدا من جهده في صراعه مع الأعداء.

ليكن معظم اهتمامك وجهدك في بناء العقيدة في نفوس الناس أولا، ثم تحصينها مما يشوبها ثانيا،

فهو الذي سيجعل المتعلم يصمد فيقول: "ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا".

وليكن معظم اهتمامك وجهدك في غرس القيم التربوية في ابنائك ومن حولك أولا ثم التحذير والحماية ممَّا يفسدها من فساد قيمي وأخلاقي ودعوات إباحية ثانيا

فهو الذي سيجعل المتربي يصمد امام الفتن فيقول: "معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي"

وليكن معظم اهتمامك وجهدك أولا في استقلالية سياستك وصناعتك وزراعتك واقتصادك أولا ثم في معرفة ومقاومة من يريد تبعيتك واستغلالك وإضعافك ثانيا

وعندها "فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم"

يريد الله منك أن تؤدي ما عليك وسيبارك في ذلك، وأن لا تنشغل إلا بقدر معيَّن محدود بمنافسيك وأعدائك

والله تعالى هو الذي قال: "وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا" 

أي أدّ ما عليك والله هو المتكفل بعدوك.

وهو الذي قال: "إن الله لا يصلح عمل المفسدين"

اي لا يكمله وبالمقابل فان الله سيصلح ويكمل عمل المصلحين.

وها هنا سؤال:  هل المقصود هو التتابع الزمني بمعنى أن عملية التحصين بعد البناء ؟

فأقول: لا إنما يسيران بالتوازي من حيث الجهد لكن البدء بالبناء من حيث المنهج فأنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في الوقت نفسه لكن الأولوية والجهد الأكبر للأمر بالمعروف.

الخلاصة :

إذا كانت دفاعاتك الداخلية في العقيدة والتربية والسياسة والاقتصاد والثقافة متهاوية فلا تتوقع أن مقاومتك ستصمد طويلا.

وإذا كان بناؤك مهدما فلا نفع في بناء الأسوار

فالأولوية وحجم الاهتمام والجهد لبناء الذات أولا ولتحصينها ثانيا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين