حق المزفوفة في إقامة زوجها عندها

عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثًا وقال: (إنه ليس بكِ على أهلكِ هوان، إن شئتِ سبَّعتُ لكِ، وإن سبَّعتُ لكِ سبَّعتُ لنسائي). صحيح مسلم.

وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم حين تزوّج أم سلمة وأصبحَتْ عنده قال لها: (ليس بكِ على أهلكِ هوان؛ إن شئتِ سبَّعتُ عندك وإن شئتِ ثلَّثتُ ثم دُرْتُ) قالت: ثلِّث. صحيح مسلم.

وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم حين تزوّج أم سلمة فدخل عليها فأراد أن يخرج أَخَذَت بثوبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن شئتِ زدتُكِ وحاسبتُكِ به، للبِكر سبع وللثيِّب ثلاث) صحيح مسلم.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إذا تزوّج البكرَ على الثيِّب أقام عندها سبعًا، وإذا تزوّج الثيّب على البِكر أقام عندها ثلاثًا. صحيح مسلم.

في هذه الروايات للحديث إضاءات في واجب العدل بين الزوجات، وفي إيفائهن حقوقهن، ومراعاتهن، والرفق بهن.

فالنبي صلى الله عليه وسلم يؤكِّد لأم سلمة ذلك، ويُطمئنها إلى أن كرامتها مُصانة، وحقها محفوظ، فيقول لها: (إنه ليس بكِ على أهلكِ هوان) أي: ليس انصرافي لهوانكِ علي، ولن يضيع من حقكِ شيء، بل تأخذينه كاملًا.

والمراد بـ (أهلك) هنا: نفسه صلى الله عليه وسلم أي لاأفعل فعلًا به هوانكِ علي. وفي هذا الحديث استحباب ملاطفة الأهل والعيال وغيرهم، وتقريب الحق من فَهم المخاطب ليرجع إليه، وفيه العدل بين الزوجات. 

(وتقريب الحق من فهم المخاطب ليرجع إليه) هذه العبارة التي وردت في كلام النووي السابق، فيها توجيه للأزواج بأن يتأسّوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فلايضيق الرجل من عدم إحاطة زوجته بمراده، وعدم فهمها لكلامه، فيشرح لها موضحًا بالمثل أوالحكاية، أو البيان.

وكذلك عبارته (استحباب ملاطفة الأهل) وهذا من خلقه صلى الله عليه وسلم وخاصة مع النساء، وهو أيضًا من وصاياه بهنّ، كما في حديثه (استوصوا بالنساء خيرًا)، وغيره.

ولا شك في أن هذا يحتاج إلى خُلق آخر عظيم وهو الصبر.. هذا الخلق الذي وَرَد الثناء عليه، والأمر به، والتبشير بما لصاحبه من أجر في أكثر من تسعين آية في القرآن الكريم.

ثم يؤكّد صلى الله عليه وسلم مراعاته لها، وعدم إلزامها بما يختاره هو لها، بل يترك لها هي أن تختار.

ورواية مسلم التي فيها زيادة (قالت: ثلّث) توضّح أنها اختارت الثلاث، لأنه صلى الله عليه وسلم لن يغيب عنها طويلًا، إذ سيُمضي ليلة واحدة عند كل امرأة من نسائه، لأن الثلاث من حقها فلايحتاج إلى أن يقضي لباقي زوجاته مثلها، أما إن بقي عندها سبعًا، فسيكون القضاء سبعًا لكل واحدة من نسائه، فيطول غيابه عن أم سلمة رضي الله عنهن جميعًا.

يقول النووي: وفيه -أي في الحديث- أن حق الزفاف ثابت للمزفوفة وتُقدَّم به على غيرها، فإن كانت بِكرًا كان لها ليالٍ بأيّامها بلا قضاء، وإن كانت ثيِّبًا كان لها الخيار إن شاءت سبعًا، ويقضي السبع لباقي النساء، وإن شاءت ثلاثًا ولايقضي.

ولاشك في أن هذا لمن كان عنده أكثر من زوجة، أما من كانت عنده زوجة واحدة فحق زفافها مستمر، كما يوضِّحه النووي ويؤكِّده في كلامه التالي:

واختلف العلماء في أن هذا الحق للزوج أو للزوجة الجديدة؟ والجمهور أنه حق لها، وقال بعض المالكية: حق له على بقية نسائه. واختلفوا في اختصاصه بمن له زوجات غير الجديدة. قال ابن عبد البر: جمهور العلماء على أن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف سواء كان عنده زوجة أم لا لعموم الحديث.. إذا تزوج البِكر أقام عندها سبعًا، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثًا، لم يخصّ مَن لم يكن له زوجة.

وقالت طائفة: الحديث في من له زوجة أو زوجات غير هذه، لأن من لا زوجة له فهو مقيم مع هذه كل دَهره، مؤنس لها، متمتع بها بلا قاطع، بخلاف من له زوجات فإنه جُعلت هذه الأيام للجديدة تأنيسًا لها متصلًا، لتستقر عِشرتها له، وتُذهب حشمتها وَوَحْشَتها منه، ويقضي كل واحد منهما لذّته من صاحبه، ولاينقطع بالدوران على غيرها. ورجّح القاضي عياض هذا القول وبه جَزَم البغوي في فتاويه، فقال: إنما يَثبُت هذا الحق للجديدة إذا كان عنده أخرى يبيت عندها.

وتبقى وقفة في ما جاء في إحدى روايات الحديث من أن أم سلمة رضي الله عنها أخذَت بثوب النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يخرج، وفي هذا إشارة إلى تعلّقها به صلى الله عليه وسلم ، وحبها لبقائه عندها وعدم خروجه.

ولعل فيها توجيهًا للرجال بتقدير تعلّق نسائهم بهم، وأنه فطرة فيهنّ، فلاينبغي أن يغضبوا ويثوروا إذا وجدوا ذلك منهن، بل يعتذروا بأعمالهم التي يجب عليهم قضاؤها، أو مهامهم التي ينبغي عليهم القيام بها، وذلك كله برفق ولُطف وعَطف.

يبقى أن أشير إلى أن الأحاديث السابقة جميعها وردت في صحيح مسلم في باب عنوانه: (ماتستحقّه البِكر والثيِّب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين