وهم المعرفة

يزخر عالمنا اليوم بالكثير من المعلومات والقليل من الفهم والحكمة والمعرفة، ذلك ان المعلومات بمفردها دون فهم واستيعاب ونقد وتفكيك وتركيب لا تعد معرفة نافعة تنتج أثرها المطلوب في بناء العقل والسلوك والقرار.

لدينا هنا أصناف ثلاثة:

الأول: المُنتج للمعلومات والمعرفة وهؤلاء قلة.

الثاني: المستوعب والناقد للمعلومات والمعرفة وهؤلاء أكثر من الصنف الاول عددا.

الثالث: المستهلك للمعلومات والمعرفة دون استيعاب كامل ولا ملكة نقد حاضرة وهؤلاء هم السواد الأعظم.

وغالبا ما يقود أهل الصنفين الاول والثاني الصنف الثالث فهو لهما تبع.

ليس المشكلة مطلقا في وجود الصنف الثالث في المجتمعات، فليس الجميع يطلب منه أن يكون منتجا أو مستوعبا أو ناقدا للمعلومات والمعرفة، لكن المشكلة حين يتحول الصنف الأول والثاني إلى حال مثل حال الصنف الثالث، فيكون الإدراك عندئذ سطحيا ومستهلكا وتلقينيا، وتفقد المجتمعات والعقول قادتها الفكريين ويروج سوق الجهل وتخترق المجتمعات من خارجها دون حصانة، لأن نخبتها استوت مع جمهورها في المعلومات والمعارف وطرائق التفكير والاستنتاج.

إن المعلومات التي تعطيها مواقع النت والتواصل الاجتماعي وسيل الفضائيات، يراد لها غالبا أن يكون لها مستهلكون من الصنف الثالث، لأن الصنف الأول منتج لها والصنف الثاني مستوعب وناقد لها، فاذا وقع أصحاب الصنفين الاول والثاني تحت سطوتها فقد فقدا دورهما وأثرهما في عالم المعرفة إنتاجا ونقدا، وسقطا في فخ وهم المعرفة وهما يظنان أنهما ما زالا منتجين وناقدين لها، وتجد ذلك حين ترى مثلا نموذجا من النخبة يقضي الأيام والشهور لا يفعل شيئا سوى التصفح في صفحات النت ومواقع التواصل دون أثر او إضافة.

الكتاب ثم الكتاب ثم الكتاب، والقراءة العميقة والمستوعبة والناقدة، والانتاج المعرفي النوعي، تبقى هي المعايير للنخبة الفكرية القائدة، وإلا استوت مع الجمهور فحرمت نفسها وجمهورها من الانتاج والتقويم والترقي المعرفي المطلوب.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين