مَن تركَ عمله الكبير وانشغل بالصغير أضاع العملين معاً!

عمر بن الخطاب ، حالة خاصّة ، نادرة ، قلّما تتكرّر، في الحياة الإنسانية ! فلم يكن ينام ، ليلاً ولا نهاراً ، حتى يصرعه التعب والنعاس ! فقد كان خليفة ، مسؤولاً ، عن شؤون دولته ورعيته.. وكان يقول ، لو زلقت بغلة ، على شاطئ دجلة ، لخشيت ، أن يحاسبني الله ، عنها : لمَ لمْ أعبّد لها الطريق ؟

كان يقضي ليله ، بين الصلاة ( قيام الليل) ، والتجوّل ، في شوارع المدينة المنوّرة ؛ لتفقد أحوال الرعيّة !

وحين سأله أحد أفراد رعيّته : ألا تنام ، ياأمير المؤمنين ؟ قال : متى أنام ؟ إذا نمت في الليل، أضعت نفسي ، وإذا نمت في النهار، أضعت رعيّتي !

وقد رآه عليّ بن أبي طالب ، يركض وراء بعير، فسأله : ماتفعل ، ياأمير المؤمنين ؟ قال : بعير من إبل الصدقة ، أصابه الجرب ، فجئت به ، كي أدهنه بالقطران ، فشرد منّي ، فأنا أطارده ، لأهنأه (أدهنه) ! فقال عليّ : أتعبتَ مَن بَعدك ، ياعمر !

عمر لمْ تشغله أعباء الخلافة ، عن الأعباء الصغيرة ؛ فكان يقوم بالأعباء ، كلّها ، على حساب صحّته وراحته !

وحالة عمر، هذه ، لم يَعلم أحد من الناس ، أنها تكرّرت ، في التاريخ البشري !

نماذج :

قال أحد العلماء : لو كُلّفت بتقشير بصلة ، لما استطعت حلّ مسألة !

وسَمع أحدُ العلماء ، زوجته ، تقول له : لم يبقَ في البيت طحين ! فقال لها : قاتلك الله ، لقد أطرتِ ، من رأسي ، أربعين مسألة !

وقال نابليون بونابرت : أسوأ جنرال ، هو من يتدخّل ، لتبديل موقع خفير! ( لأن الجنرال ، الذي يترك موقعه شاغراً ، ويأتيه قادة القطعات العسكرية ، لتلقّي الأوامر الضرورية ، منه ، فلا يجدونه، في مقرّ عمله ، يكون قد فرّط ، بعمله الأساسي ، الذي عُيّن له ، وانشغل بعمل ، هو من مهمّات رقيب في الجيش ، أو عَريف !

وكبار العلماء ، الذين نافسوا غيرهم ، على مواقع إدارية ، قلّلوا من هيبتهم ، وضعفت قدرتهم على التأثير، في قلوب أتباعهم ، من طلاّب العلم ؛ حتى لو أفلَح هؤلاء العلماء ، في شَغل المواقع الإدارية ، وماهو في حكمها ، بشكل جيّد !

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين