الحرب العالميّة على الحجاب.. من أين بدأت؟

بقلم :عبد الباقي خليفة 


 
حسبنا ولوقت قريب أن السلطات التونسية عادت الى رشدها، وأدركت أنها تحارب روح الانسان المسلم وأشواقه وقناعاته، وأنها تدوس حقوق المرأة من خلال وضعها في قوالب جاهزة، حتى وإن سميت تلك القوالب (تحرير المرأة)، فالتحرير يستوجب رغبة ذاتية، ومساعي عمليّة، ومطالب من الجهات المعنية، وإلا سمّي تدخلاً في الشؤون الشخصية، وذلك يتعلق بالأفراد والمجموعات والشعوب، وحتى الدول.
إن التاريخ يعلمنا، أن الكثير من الجرائم ضد الانسانية، تم تبريرها من خلال إعطائها مسحة انسانية، فسمي الاحتلال (حماية) والاستدمار (انتداباً) وسرقة ثروات الشعوب (تطويراً) وتدمير الدول (تحريراً)، ولا تزال الكثير من كتب التاريخ المدرسية، كما هو الحال في تونس، تروّج لتلك الأكاذيب (كالحماية الفرنسية!!!). كما حوربت الكثير من الفضائل والقيم والحقوق الخاصة والعامة بأسماء براقة، فصودرت حقوق الانسان، وانتهكت آدميته.
الحرب انطلقت من تونس
وإذا كانت الحرب العالمية الأولى قد انطلقت من سراييفو سنة 1914 م، والحرب العالمية الثانية (1939 / 19945 م) اشتعلت بعد احتلال ألمانيا لبولندا، فإن الحرب العالمية الثالثة ضد الحجاب (والاسلام عموماً) بدأت في تونس التي كانت منطلقاً للفتح الاسلامي لكل من صقلية وحتى الأندلس، وتركيا التي كانت قلعة الخلافة الاسلامية لما يزيد على خمسة قرون، ولذلك نجد اليوم أن الحرب على المظاهر الاسلامية في البلدين ولا سيّما الحجاب، لا نظير لها في أي بلد اسلامي آخر، في عملية انتقام من التاريخ ومحاولات هيستيرية للحيلولة دون دورة حضارية اسلامية جديدة تبدو ملامحها في الآفاق. مع مفارقة كبيرة وواضحة، هي أن الحرب على المظاهر الاسلامية في تركيا يقودها الجيش الذي لم يتطهر من العقلية الديكتاتورية الأتاتوركية، والنظام القضائي أحد مخلفات التطور في القرن الواحد والعشرين، بينما في تونس تشارك جميع مؤسسات الدولة في تلك الحرب، فهو يشمل الجيش والقضاء والتعليم - لا سيما الجامعي - والمؤسسات الصحية وحتى القطاع الخاص.
في تونس تبرّر الحرب على الحجاب بعدة لافتات خادعة، مثل وصفه بـ (الزيّ الطائفي) وحتى (المستورد)، وترتكب أبشع الجرائم بحق المحجبات تحت لافتة أكثر خداعاً هي(محاربة التطرف)، فمظاهر الالتزام بالاسلام تعد تطرفاً، وقد رأينا في بعض الدول وفي فترات تاريخية سابقة أن (المتطرف) هو الذي لا يشرب الخمر ولا يأكل لحم الخنزير. وبالتالي تعطي السلطات المستبدة للمصطلحات مفاهيم متطرفة تخرجها عن السياق المنطقي، المصادم لقيم حقوق الانسان والحرية، لتبرير القمع والأساليب الديكتاتورية. وتعاني المسلمات المحجبات من الاستبداد الحكومي السلطوي، والقمع اللائكي النخبوي المتماهي معه في هذه القضية.
حملات متواصلة ضد المحجبات
في المدة الأخيرة تتحدث التقارير عن زيادة جرعة القمع في تونس، لا سيما ازدياد وتيرة قمع المحجبات، كالحملة التي شنتها السلطات التونسية على المحجبات في المعهد الثانوي بالشابة، وفق منظمة «حرية وإنصاف» حيث قامت إدارة المعهد بحملة ضد الطالبات المحجبات على مدى أسبوع كامل، وأكرهتهنّ على خلع الحجاب، ومنعتهن من دخول الفصول الدراسية. وأجبرت الكثير من الطالبات المحجبات على احضار أوليائهن من قبل القيّم العام فوزية بسباس، ومدير المعهد، حيث نسي النظام الحاكم أنه (حرر المرأة) ولم تعد ملزمة بالخضوع لوليّ حتى وإن كان الأب أو الأخ أو الزوج. لذلك يستعين بأولياء الطالبات للضغط عليهن من أجل خلع الحجاب!!! أما إذا تمردت المرأة على القيم والدين والأب والأخ والزوج، عندها فقط تصبح حرة وغير خاضعة لأي ولاية غير ولاية النظام الحاكم، الذي يحررها إذا كانت معه، ويقمعها إذا خرجت عن أوامره حتى وإن كانت علمانية!!!
محاكم تفتيش ضد الحجاب
لقد حوّل النظام التونسي ما يفترض أنها مراكز تربوية إلى سلخانات تعذيب واعتداءات على القاصرات، وأقبية لمحاربة الفضيلة وحقوق الانسان. وهي الممارسات التي تشجع الدول غير الاسلامية، والمنظمات العنصرية في الغرب على محاكاتها، مثل تصريحات وزير الداخلية الايطالي روبرتو ماروني الذي أعلن أن برلمان بلاده يدرس فرض حظر ارتداء النقاب على غرار فرنسا، معتبراً ذلك «تهديداً للأمن في ايطاليا» وقد اعتبر الحجاب والنقاب تهديداً للثقافة الغربية، بعد أن اعتبر في تونس (لباساً طائفياً)، فوزير الداخلية الايطالي اعتبر أن «ارتداء النقاب قد يكون الاشارة الأولى لرفض المسلمات تقاليد وعادات البلد المضيف ورفضهن الاندماج فيه». ولأن الغرب يعمل على ترويج مركزيته المفاهيمية فإن بلداً مثل تونس يحتاج الى مبررات أخرى لتبرير قمع الاتجاه الاسلامي التعبدي للتونسيات، مثل رفض الزي الطائفي أو محاربة التطرف ؟!!!
إن فرنسا، ودولاً أوروبية أخرى، تبحث عن مبررات لاجتثاث مظاهر الالتزام بالاسلام، ولم تجد وسيلة أفضل من الاستشهاد بقمع السلطات التونسية للمسلمات المحجبات في البلاد، وهو ما جعل لجنة برلمانية فرنسية تطالب بضرورة تحرك حكومي لمنع ارتداء النقاب، وهو ما مهد له الرئيس الفرنسي ساركوزي في حزيران  2009 م بالقول إن «النقاب ليس مرحباً به في البلاد». وإذا كان هناك أحرار حقيقيون في الغرب يدافعون عن حق المسلمات في الحجاب والنقاب كالاستاذ بجامعة مونبلييه، دومينيك روسو، الذي اعتبر الحديث عن قانون لمنع النقاب سيكون ظالماً، وما وصفت به صحيفة نيويورك تايمز الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأنه «يؤجج مشاعر الكراهية في بلاده عندما لم يعترض على توصية برلمانية بحظر النقاب في الأماكن العامة» وقالت الصحيفة: «لا يمكن أي مكسب سياسي أن يبرر التحريض على الكراهية». وقالت ايرينا بوكوفا المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو) إن «المنظمة تدافع عن حرية النساء في ارتداء النقاب» مشيرة إلى وجوب مراعاة الحرية الشخصية

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين