الرد على الدكتور الفاضل أحمد نوفل في تخصيصه أهل البيت بنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم

الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى.. وبعد: 

فقد سمعت الدكتور الفاضل أحمد نوفل حفظه الله يذكر في بعض دروسه، أن (أهل البيت) في آية التطهير من الأحزاب، مختص بنسائه عليه الصلاة والسلام، ونفى دخول غير نسائه فيهم، وهذه المقالة قد تقدَّمه إليها بعض المتكلمين لأنـهم ظنوا أن قوله (أهل البيت) في الآية منصوب على الاختصاص، وهو غلط نبَّه عليه المعربون لوقوعه بعد ضمير الخطاب مثل: (بك الله نرجو الفضل) والصواب أنه منادى، قاله الشيخ جمال الدين في (المغني) وعليه فلا اختصاص بالسياق بل مفهومه شامل لماصدقه.

وتمسك هؤلاء أيضا بأن ابن عباس وغيره قد نصوا على أن الآية في نسائه، وهو صحيح لكنهم لم يقصدوا اختصاصها بـهنَّ، لما تقرر أن التنصيص على بعض أفراد العام لا يلزم منه التخصيص. 

وبإزاء هذا القول من زعم من الإمامية كالمشهدي وغيره وقاله بعض أهل التأويل كالثعلبي وغيره، أن المقصود بالبيت بيت النسب وهم أقاربه صلى الله عليه وآله وسلم دون نسائه، وهو منتقض بسلمان الفارسي عليه السلام، وبالسياق الظاهر، وبأنه يلزم منه الإخلال بالمعنى بدخول جملة أجنبية معترضة خارجة عن السياق، وهو غير سائغ في كلام العرب إلا إذا كان المعترَض به من جنس المعترَض عليه، وهو غير متحقق في هذا المقام. 

ومن توهم من أهل السنة انحصار مسمَّى الأهل في بيت السكنى كالدكتور نوفل فلم يصب، وإن كانت سياق الآية فيهن، فإنه لو كان ذلك كذلك لقال: (يطهركن) و(عنكن) لاقتضاء مناسبة السياق له، لكنه عدل عنه إلى الخطاب بضمير الجمع لئلا يتوهم انحصار أهل البيت في نسائه عليه الصلاة والسلام، وذكره بلفظ التذكير لأن المقرر في العربية والأصول أنه إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب التذكير.

وتعلق الدكتور نوفل باستقراء مسمَّى الأهل في كتاب الله فلم يجد أنه أطلق إلا في نساء الرجل كما في قصة إبراهيم غلط منه، لأنه إن قصد مسمى (أهل البيت) فلم يرد في كتاب الله إلا في موضعين، فأما قصة إبراهيم عليه السلام فقد دخل فيها ولده إسماعيل لأنه كان إذ ذاك موجوداً، ودخل من لم يوجد من ولده كإسحاق بدليل أنه بشَّرهما به، فلما عجبت قيل لها: (أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) أي: إبراهيم ونساؤه وولده، بدليل قوله تعالى: (وبشرناه بإسحاق نبيًّا من الصالحين وباركنا عليه وعلى إسحاق) وهذا ظاهر.

وإن قصد مطلق الأهل دون إضافة فلا حجَّة فيه لأن الله تعالى أطلقه في مواضع ولم يقيد بنساء الرجل، كقوله: (وكان يأمر أهله بالصلاة) ومعلوم أن الأمر بذلك لا يختص بنسائه، وقال :(فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) ومعلوم أنه لا يبعث النساء، وهذا كثير في كتاب الله فلا نطول به.

وأيضا لا تساعد عليه اللغة، لأن أصل (أهل) في قول بعض العلماء (أَوَل) من آل يؤول إذا رجع، سمِّي بذلك من يؤول إلى الشخص ويضاف إليه فيدخل فيهم ولده وذريته، ويقوِّيه أنه لا يضاف إلا إلى معظم فيقال لحفاظ القرآن أهل الله وخاصته كما في الحديث، وغير ذلك.

وأيضا فقد دلت السنة على دخول آل البيت في أهله المقصودين بآية التطهير كما في خبر الكساء الصحيح عند الترمذي وأحمد وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا عليًّا وفاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجز وطهرهم تطهيراً)

فالصواب: أن الكل مقصود بالآية بيت النَّسب وبيت القصَب، وإنما احتيج إلى التنصيص على من ذُكر في حديث الكساء لدفع توهم عدم دخولهم في آية التطهير، لأن السياق في أزواجه، فقد دخلن في مسمى الأهل بالسياق كما دخل آل البيت في مسماه بالسنة في خبر الكساء الصحيح، واللغة تحتمل المعنيين كظاهر القران. 

وزعمت طائفة من أهل الكلام والفقه والتصوف أن آل البيت كل تقي من أنصاره وأتباعه، وفيه حديث ضعيف لا يثبت، واحتجوا بقوله تعالى: (أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) وآله أتباعه وأنصاره، وكان العلامة نشوان الحميري يختاره وينشد:

آلُ النبيِّ همُ أتباعُ مِلَّتهِ.....من الأعاجم والسودان والعربِ

لو لم يكنْ آلُهُ إلا قرابتُهُ...صلّى الـمُصلِّي على الطاغي أبي لهبِ

فنقضها عليه العلامة ابن الأمير الصنعاني بقوله:

إن الصلاةَ من الرحمن واجبةٌ........للآلِ من آمنوا بالله والكُتُبِ

فأنتَ ترى الشرطَ مفقوداً فلستَ ترى الـ...الزامَ يُلْزِمُ بالطاغي أبي لهبِ

لقد تجاهلتَ شرطاً للصلاة وما...جهلتَ إذ أنتَ بحرُ العلم والأدبِ

والتحقيق أن مسمَّى الآل مشترك بين أقاربه وأزواجه وأتباعه، وإنما يتعيَّن المقصود بحسب الإطلاق، فإن أطلق في مقام الصدقة فهم من تحرم عليهم، وهم المؤمنون من آل هاشم، وفي مقام الثناء والمدح هم أهل العباءة المذكورون في خبر الكساء، وفي مقام التطهير هم أزواجه وأقاربه، وفي مقام النصرة والولاية والدعوة هم أتباعه من كافة المؤمنين، وقد نصَّ على ذلك جماعة من العلماء منهم الصاوي في (حاشية الصغير) ونظمه بعض الشناقطة بقوله:

آلُ النبيِّ سيد الأنامِ...............مختلفٌ بحسَبِ المقامِ

مومنَ هاشمٍ عنوا بالآلِ............في منعِ إعطاءِ زكاةِ المالِ

وإنْ إلى نـهجِ الدعاءِ تذهبِ.......فالمؤمنون كلُّهمْ آلُ النبي

وفي مقام المدح همْ أهلُ العَبَا...من الذين الرجسُ عنهمْ ذَهَبا

وطُهِّروا لـمّا دعا تطهيرا............طوبى لهمْ دعاءَهُ الشهيرا

طه وبنتُ المصطفى سبطاها..........وبعلُها سليلُ عمِّ طه

وفي خبر الكساء هذا دليل على أن السنة قد تستقل بالبيان والحكم عن الكتاب، فإنه لولا ورود حديث الكساء لكان يكون التطهير مختصاً بأزواجه لظاهر السياق المقصود في النص، على قول بعض الأصوليين: إن السياق مخصِّص كما جزم به أبو بكر الصيرفي وغيره وهو مخرّج على نص الشافعي، والسياق كما قال ابن دقيق العيد: مُبيِّن للمُجملات، مُرجّح للمحتملات، مؤكّد للواضحات. 

وعند من لم يجعل السياق مخصصا فقد دخل أقاربه من أهل الكساء وغيرهم بتقدير عدم ورود خبر الكساء، في ماصدق (أهل البيت) لأنه لغة صادق في بيت النسب والقصب، ويؤكد هذا خبر الغدير فإن راويه أسامة سئل عن آل بيته فقال: (آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل)، وسئل عن نسائه هل هن من آله؟ فقال: (نساؤه من آله)، وقد تقرر أن تفسير الراوي مقدم، وبه يرد على من زعم اختصاص أهل البيت بآل علي دون غيرهم من الآل.

والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه وسلم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين