مَن أهلُ البيت؟ 

أرسل إلي هذا التسجيل المرئي أحد الأصدقاء، يطلب مني البيان بشأنه، فكتبتُ إليه:

أسفي على العلم عندما يَهُوْنْ عند بعض أهله، حتى يكون كرة تتقاذفها أرجل العواطف والأهواء السياسية وغير السياسية.

أما أنّ الروافض يخدمون مشروعا فارسيا فهذا بادٍ للعيان، غني عن البيان.

وأما أن الفرس هم الذين اخترعوا مصطلح أهل البيت فهذا تضليل واستغفال للمخاطبين ومجافاة لمنطق العلم.

ولا يخفى على مثل الأستاذ الجامعي الدكتور أحمد نوفل أن دعواه هذه لا تستحق أن يُلتفت إليها، بعد أن ملأ مصطلح (أهل البيت) المرويات الحديثية، والمصنفات العلمية، وتناقلها وتداولها من لا يُتَّهم من أهل العلم خلفا عن سلف.

وإلا فأين يذهب الدكتور المدعي هذه الدعوى الباطلة بحديث الترمذي عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لمّا نزلت هذه الآية: (... إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَیۡتِ وَیُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِیرࣰا)

في بيت أم سلمة، فدعا فاطمةَ وحسنا وحسينا فجللهم بكساء، وعليٌّ خلف ظهره، فجلله بكساء، ثم قال: اللهم هؤلاء *أهل بيتي* فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟

قال: أنت على مكانك، وأنت على خير.

وأين يذهب بحديث مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مِرْط مُرَحَّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: (إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَیۡتِ وَیُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِیرࣰا)

وفي صحيح البخاري أن أبا بكر رضي الله عنه قال: ارقبوا محمدا في *أهل بيته* اهـ

قلت: ويدخل في (أهل بيته) في هذا الأثر بطريق الأولى، قراباتُه صلى الله عليه وسلم. بدليل أن البخاري قد أورد قول أبي بكر هذا في موضعين من صحيحه.

ترجم للأول بقوله: (باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنقبة فاطمة...) 

وترجم للثاني بقوله: (باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما)

ومعلوم أن فقه البخاري في تراجمه.

وأما ما استدل به الدكتور نوفل من آيات في إطلاق مصطلح (أهل البيت) على نساء الرجل، ومن سياق آية الأحزاب في دخول أمهات المؤمنين في أهل البيت، فهذا صحيح.

لكنه لا يمنع إطلاق مصطلح "أهل البيت" أيضا على القرابات والذرية.

وقد قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى عند تفسير قوله تعالى في الأحزاب: (یَـٰنِسَاۤءَ ٱلنَّبِیِّ لَسۡتُنَّ كَأَحَدࣲ مِّنَ ٱلنِّسَاۤءِ إِنِ ٱتَّقَیۡتُنَّۚ فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ فَیَطۡمَعَ ٱلَّذِی فِی قَلۡبِهِۦ مَرَضࣱ وَقُلۡنَ قَوۡلࣰا مَّعۡرُوفࣰا * وَقَرۡنَ فِی بُیُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِینَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۤۚ إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَیۡتِ وَیُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِیرࣰا)

قال: وهذا نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت هاهنا، لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولا واحدا، إما وحده على قول، أو مع غيره على الصحيح. اهـ

وبعد أن نقل ابن كثير قول عكرمة مولى ابن عباس: "من شاء باهلتُه أنها نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم"

قال ابن كثير: فإن كان المراد أنهن كنّ سبب النزول دون غيرهن فصحيح، وإن أريدَ أنهن المراد فقط دون غيرهن ففي هذا نظر، فإنه قد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك. اهـ

ثم ساق ابن كثير نحوا من ثمانية أحاديث تدل على دخول القرابة في أهل البيت مع أمهات المؤمنين.

قلت: والدليل الجلي النّصيّ على ذلك: حديث غدير خمّ في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: وأنا تارك فيكم ثَقَلين. أولُهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به...... ثم قال: وأهلُ بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي.

فقال له حصين بن سبرة: مَن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟

قال: نساؤه من أهل بيته. ولكن أهل بيته مَن حُرِمَ الصدقة بعده.

قال: ومَن هم؟

قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس.

قال: كل هؤلاء حُرِمَ الصدقة؟

قال: نعم.

فهل يصح بعد هذا من مسلم، فضلا عن أن يكون من ذوي العلم، أن يزعم أن مصطلح (أهل البيت) من اختراع الفُرس؟ أو أن ينفي إطلاق مصطلح (أهل البيت) على ذوي قربى النبي صلى الله عليه وسلم؟

ثم إنّ كلام الدكتور نوفل يفتقر إلى الدقة العلمية في موضعين آخرين:

الأول: في قوله: إن الحسين رضي الله عنه كان متزوجا من بنت كسرى...

والتدقيق: أنها لم تكن بنت كسرى، وإنما كانت بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى.

ولم تكن زوجة للحسين، وإنما كانت سُرِّيَّة استباحها بملك اليمين، فأنجبت له زين العابدين، علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم.

قال الحافظ ابن كثير في وفَيات سنة أربع وتسعين من (البداية والنهاية): علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي، المشهور بزين العابدين، *وأمه أم ولد.* اهـ

ومعلوم أن أم الولد سُرِّيَّة، وليست بزوجة.

الثاني: في زعمه أن عمر رضي الله عنه آثر الحسين بن علي بتلك الفارسية على ابنه عبد الله بن عمر....

وهذا وهْمٌ لا شك فيه، فقد أعطى عمرُ أختها لابنه عبد الله بن عمر، وأختها الثانية لمحمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله عنهم جميعا.

فليس في المسألة إيثار على عبد الله بن عمر أصلا.

وقد نقل الزمخشري في كتابه (ربيع الأبرار ونصوص الأخيار) قصة ذلك عن أبي اليقظان قال: إنّ قريشا لم تكن ترغب في أمهات الأولاد حتى ولدنَ ثلاثة هم خير أهل زمانهم. علي بن الحسين، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله. وذلك أنّ عمر رضي الله عنه أُتِي ببنات يزدجرد بن شهريار بن كسرى سبِيَّات، فأراد بيعهن، فقال له علي: إنّ بنات الملوك لا يُبَعن، ولكن قَوِّموهن. فأعطاه أثمانهن. فقسمهنّ بين الحسين بن علي، ومحمد بن أبي بكر الصديق، وعبد الله بن عمر، فولدنَ الثلاثة. انتهى من ربيع الأبرار.

والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين