فكّر بالمقلوب

يقال إن أكثر ضربات الجزاء في كرة القدم نجاحاً هي تلك التي يصوب فيها اللاعب بقوة في منتصف المرمى. السبب غالباً أنها تخالف توقعات حارس المرمى. فالحارس يشغل نفسه بتوقعين واحتمالين رئيسيين: هل أطير لليمين أم أطير لليسار.؟ ويقال كذلك إن أقوى قوانين القوة هي أن تخالف توقعات خصمك.

بالعربي الفصيح: كل ماعليك فعله هو أن تخالف حدسك. يجب أن تمتلك نظرة جنونية ومختلفة لما حولك. هناك تكتيك يسمى "التكتيك الملتوي" يجب أن نستعين به في حياتنا حتى نخرج بنتائج مختلفة.

كتاب: كيفما فكرت فكر بالعكس، للمدهش بول آردن يشرح لك أن قراراتك الخاطئة أو القرارات الخارجة عن المنطق لها فوائد ومنافع شتى. لا يخبركم هذا الكتاب أن حدسكم دائما خاطئ ولكن يقول: إن دائرة الروتين اليومي تضرك. دائرة الروتين العادي ليست آمنة أو كافية لتتقدم في حياتك أو لتخترع أفكاراً جديدة لاتخطر ببال أحد. باختصار، دائرة الأمان (رغم أنها مريحة) إلا أنها خطيرة جداً. الروتين الذي تحس به بأمان شديد يضرك أكثر مما ينفعك.

الروتين لن يحقق لك أي نجاح جديد أو أفكار مبتكرة. شخصياً لايوجد قيمة مضافة لك ولايوجد تطوير لمهاراتك ولا حتى زيادة في شبكة العلاقات.

مع الوقت ستصبح وكأن عنكبوتاً قد حاك عليك خيوطاً ضخمة وأصبحت "مكبلاً" بمعنى الكلمة.

في الكثير من الاحيان أنت تفتقر إلى قرار خاطئ وأنت طبعاً تعرف أنه خاطئ ولكن سر الطبخة يكمن في أنه سيؤول بك إلى نجاحٍ ما ولكن بحلة جديدة.

كل ما يريد الكاتب أن يقوله لك هو "أن تسلك طريقا جديداً وحسب!". وهنا أدعم كلامي بمثال من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وتحديداً قراره في غزوة أُحد. كما تعلمون، كان رسول الله يميل إلى البقاء في المدينة المنورة والتحصن فيها، أما رؤية الصحابة كانت الخروج للقتال، وهنا يقوم القائد العظيم باتخاذ قرار خاطئ من وجهة نظره، لكنه صحيح من وجهة نظر الصحابة. نتيجة القرار معروفة، لكن ما تعلمته الأمة الإسلامية من خسارتهم المعركة لم تكن لتتعلمه من انتصارهم.

في الأولمبياد الرياضية عام 1968 في المكسيك كان الرقم القياسي للقفز العالي هو 7 اقدام و 5 إنشات، عندها فكَر لاعب اسمه "ديك فوسبري" وقرّر بشكل غير مسبوق أن يدير ظهره للحاجز ويقفز بشكل معاكس ومخالف كلياً لما يقوم به اللاعبون الآخرون. وفعلاً قفز وحقق رقماً قياسياً جديداً وهو 7 أقدام و5 إنشات و "ربع". هل الفرق هنا ربع انش؟! أبداً ياصديقي! بل الفرق كان كبيراً جداً. الفارق هو بالتفكير المختلف والمعاكس الذي يصنع نجاحاً مذهلاً يغير قواعد اللعبة من جذورها. الفارق هو أن تعطي ظهرك للطريق القديم. هذا الرياضي خالف كل التوقعات. طبعاً أول كلمة قد نقولها في هذه المواقف: لا، القفزة خاطئة. لكن ما نعتبره خطأً قد حقق رقماً قياسياً وأصبح القاعدة لا الإستثناء منذ ذاك.

في الحقيقة، اتخاذ القرار السليم في كل مرة هو غباء وسهل التنبؤ به ولن يوصلك إلى أي بقعة جديدة ، أما القرار غير الآمن فهو "حتماً" سيغير من طريقة تفكيرك ويجعلك تستجيب بطريقة لم تتوقعها من قبل. بصراحة أكثر: قد يكون الخطر في أكثر الأماكن أماناً.

ألا تعتقد معي أنك تستحق منطقة تليق بك على هذه الأرض؟ كلمتا : "خطر وأمان" قد تكونان وهماً ، وهذا الوهم قد صنعته بيديك بناء على خبرات سابقة، فما قد تعتقد انه خطر عليك قد لايكون فعلاً كذلك.

الآن، هل تشعر بأنك قد تندم على اتخاذك لقرار بعيد عن مساحتك الآمنة؟ أوافقك الرأي، ولكن الثمن الذي قد تدفعه بسبب جمودك قد يكلفك الكثير.

صحيح أنك قد تندم على الحركة ، ولكنك وبكل تأكيد ، ستندم ألف مرة على السكون.

نصيحتي لك وبإخلاص: اصفع نفسك وأعد تعريف كلمتي "خطر" و "آمن" بالنسبة لك. فكر، بادر، خاطر، وأبدأ من جديد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين