أبرز مثارات الغلو في فكرنا الإسلامي (7-7)

الخاتمة:

بعد أنْ منّ الله عليِّ بإتمام ذكر أبرز مثارات الغلو، يمكن القول بضرورة تمييز ما هو من أصول الدين وما هو من فروعه، وكثير من القضايا الخلافية في فكرنا الإسلامي هي من هذا النوع، وهذا لا يعني أبدًا أنْ نغيِّر قناعاتنا، أو أنْ نتنازل عن أفكارنا، فهذا ليس مقصودًا من البحث، ولا يمكن الوصول إليه أصلًا؛ لأن الكثير من الخلاف راجع إلى طبيعة النصوص، بمعنى ما يُفهم من النصوص من جهة الدلالة إضافة إلى ما يتعلق بالإسناد فيما يخص السُّنة النبوية، وهنا لا بدّ من حَكَمٍ يُلجَأ إليه من أجل تبيان وجوه الاجتهاد في المسألة وبيان الراجح منها وحدود الاختلاف الممكن فيها، ومن المعلوم أنَّ كثيرًا من هذه المسائل ظهر فيها وجه الحق فأصبح القول فيها راجحًا، والقول الآخر مرجوحًا، وخاصة في القضايا المتصلة بفروع أصول الدين بين أهل السُّنة والمعتزلة، وظهور الحق لا يمنع من الحكم على الآخر بالخطأ وعدم إصابة السُّنة والدخول في البدعة، لكنَّه لا يقتضي تكفيرًا أو استباحة للدم، أو النَّظر إلى المخالف على أنه مساوٍ لليهود والنصارى، أو رمي جهوده في خدمة الدين ونشر العلم،

قال الإمام الذهبي في ترجمة إمام المفسرين والمحدثين في عصره قَتَادَةُ بنُ دِعَامَةَ السَّدُوْسِيُّ: (وَهُوَ حُجّةٌ بِالإِجْمَاعِ إِذَا بَيَّنَ السَّمَاعَ... وَكَانَ يَرَى القَدَرَ.. وَمعَ هَذَا، فَمَا تَوقَّفَ أَحَدٌ فِي صِدقِه، وَعَدَالَتِه، وَحِفظِه، وَلَعَلَّ اللهَ يَعْذُرُ أَمْثَالَه مِمَّنْ تَلبَّسَ بِبدعَةٍ يُرِيْدُ بِهَا تَعْظِيْمَ البَارِي وَتَنزِيهَه، وَبَذَلَ وِسْعَهُ، وَاللهُ حَكَمٌ عَدلٌ لَطِيْفٌ بِعِبَادِه، وَلاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، ثُمَّ إِنَّ الكَبِيْرَ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ إِذَا كَثُرَ صَوَابُه، وَعُلِمَ تَحَرِّيهِ لِلْحقِّ، وَاتَّسَعَ عِلْمُه، وَظَهَرَ ذَكَاؤُهُ، وَعُرِفَ صَلاَحُه وَوَرَعُه وَاتِّبَاعُه، يُغْفَرُ لَهُ زَلَلُهُ، وَلاَ نُضِلِّلْهُ وَنَطرْحُهُ وَنَنسَى مَحَاسِنَه، نَعَم، وَلاَ نَقتَدِي بِهِ فِي بِدعَتِه وَخَطَئِه، وَنَرجُو لَهُ التَّوبَةَ مِنْ ذَلِكَ) (1).

وقد عبَّر أهل أصول الفقه والمشتغلون بالعقيدة - تنظيرًا - عن شيء يُسمَّى أصول الدين، والقطعيات، والمعلوم من الدين بالضرورة، ومما لا يجوز الجهل به، ولكنْ لم يقع بشكل دقيق - من جهة التنظير - ضبط هذه المصطلحات، كما أنَّ الإشكال الأكبر أنه قد تتداخل بعض هذه المصطلحات مع بعض من جهة التطبيق، وقد يتداخل ما هو من فروع الدين مع ما هو من أصوله.

إن قضية الولاء والبراء والعام والخاص وفروع أصول الدين وحكم تروك النبي صلى الله عليه وسلم ومفهوم التأسي به كلُّها من القضايا التي تحتاج علاجًا وإعادة تأصيل وشرح للمسلمين عموما وللمتصدرين للدعوة والإرشاد خصوصا، لذا فالمقترح:

1. أنْ تقوم لجنة الدراسات والبحوث في المجلس الإسلامي بتخصيص ورشة خاصَّة تجمع فيها ممن ترى فيه الكفاية في الأصْلين: أصول الدين وأصول الفقه ممن هم من داخل مكوِّنات المجلس ومن خارجه للبحث في المسائل السابقة وما كان على شاكلتها حفاظًا على الفكر الإسلامي من الانحراف وعلى وحدة الأمة من الضياع.

2. أنْ يتمَّ تعميم نتائج دراسة هذه المثارات على مراكز البحوث في العالم الإسلامي المرتبطة بالجامعات وغيرها لدراستها، والخروج بنتائج وتوصيات تتماشى مع مقاصد الدين ووحدة الأمة من غير ليِّ لأعناق النصوص أو سعيٍ لإخفاء المُعتَقد.

3. أنْ تُعرض هذه المثارات ابتداءً على أنَّها مُماثِلة للاختلاف في القضايا الفقهية، ويُترك الحُكم النهائيّ لقرارات اللجان المجتمعة وتوصياتها.

4. التَّركيز على أصول الفقه في المناهج التعليمية، فهو أداة سليمة للفهم الصحيح لكتاب الله تعالى وسُنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

المصدر : العدد الرابع من مجلة مقاربات التي يصدرها المجلس الإسلامي السوري

تنظر الحلقة السادسة هنا 

=======

(1) الإمام الذهبي، سير أعلام النبلاء مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، طبعة مؤسسة الرسالة، ج5 ص272

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين