في سبع سنين تعقيب على تعقيب

لم أشاهد فيلم (في سبع سنين) أول الأمر.

ولكنّ حجْم الأخذ والرد الذي أعقب إذاعته حملني على التفرغ لمشاهدته كاملا.

وساءني جدًا تناول وتعامل صانع الفيلم مع الجانب المتعلق بالإلحاد فيه.

وشاهدت بعض التعليقات الناقدة للفيلم، وجانبا من ندوة مصوَّرة عن الجزيرة مباشر حول ردود الفعل على الفيلم، كان من ضيوفها الشاب الذي صنع ذلك الصنيع السيئ في الفيلم، وضيف آخر اسمه "محمد عباس" أخذ يكيل المديح للملحدين الذين ظهروا في الفيلم، وأنهم ناس عندهم الشجاعة أن يظهروا على الشاشة بوجوههم المكشوفة، ويعبّروا عن آرائهم بحرية.

وقال: "أنا أعرف كثيرًا من الناس الذين ظهروا في الفيلم، من أكثر الناس ثقافة وعمق حقيقي في التفكير."

فكان كلامه ضِغْثًا على إِبَّالة.

(انظر ما بعد الدقيقة الخمسين من ندوة الجزيرة مباشر عن تغطية ردود الأفعال على الفيلم بتاريخ /29/1/2019)

ثم وقفتُ على مقالة الأستاذ محمد خير موسى، التي عجبتُ فيها من ذَوْده اللافت عن الفيلم، ذلك الذَّوْد الذي اقتضاه تقريع أهل العلم والدعاة الذين استاؤوا من سوء صنيع المحاوِر في الفيلم، ومن الإيحاءات والرسائل السلبية التي يتلقاها المشاهد، خصوصا فيما يتعلق بالتعاطف المسرف مع إلحاد الملحدين.

فأحببت أن أسجّل رأيي في مقالة الأستاذ محمد خير موسى، من خلال إبراز كلام الكاتب بالخط الغامق، ثم التعقيب عليه.

قال الكاتب: بعيدا عن تقييم فيلم "في سبع سنين" من حيثُ الأداء، 

-------

وأقول: البعد عن تقييم الأداء تجاهلٌ لأنكرِ ما الفيلم.

وهل يُستقبح فيه إلا الأداء. "الإخراج"؟!!

---------

قال الكاتب:

ففي الوقت الذي أبدى فيه قلّةٌ منهم تأييدا خجولا للفيلم،

--------

وأقول: أمّا التأييد فمردّه في رأيي إلى أن الفيلم جعل تلك التحولات الخطيرة من آثام الانقلاب.

والقلوب مشحونة غيظا على ذلك الانقلاب الغادر الفاجر.

وأما أنه خجول، فلأن الفيلم مرّرَ من خلال ذلك، دعوةً ناجحة جدا إلى الإلحاد.

----------

قال الكاتب:

ويكفي النّاقد شرفا أن يسلّط الضّوء بموضوعيّةٍ على مشكلةٍ يراها تستحقّ النّفير، ولو لم يقدّم لها أيّ حلّ أو علاج، بل إنَّ هذا يوجب على أهل التّخصّص أن يتلقّفوا هذا النّقد لدراسته والوقوف على دقّته ووضع الوسائل اللازمة لمعالجته على المدى القريب والبعيد.

---------

وأقول: أمّا الشرف والموضوعية فقد فقدهما الفيلم من أصلهما، من خلال تعاطفه الحميم مع الملحدين، وتزيين الإلحاد في قلوب الناظرين. 

ومَن أنكر هذه الرسالة البيّنة فيه فليسأل نفسه عمّا حملها على إنكار الشمس في رابعة النهار.

وأما أن الفيلم لم يقدم للمشكلة حلا ولا علاجا، فليس هذا كلَّ المأخذ عليه، بل هو أهونه.

وإنما المأخذ الأكبر عليه، والمأثم القبيح فيه، أنه كان منبرا لدعاية فائقة شائقة إلى الإلحاد، مما ضاعف أعباء المهمة على أهل التخصص.

فلم تعُد مهمة أهل التخصص - بعد هذا الفيلم - دراسة ومعالجة ظاهرة الإلحاد التي أبرزها الفيلم فحسب، وإنما أيضا محاصرة الفتنة التي أطلقها الفيلم في أوساط الشباب بتلك القوة، ومن على ذلك المنبر الواسع الانتشار.

------------

قال الكاتب:

فمن قال للعلماء الأكارم بأنَّ خمسين دقيقة هي المحلّ الكافي لمناقشة الظاهرة ووضع الحلّ لها؟!

-----------

وأقول: مرة أخرى: ليست المشكلة في عدم المناقشة ووضع الحل.

وإنما المشكلة في مجافاة الحياد والموضوعية من مقدم الفيلم، حتى ليكاد صاحب القلب الضعيف يبكي تعاطفا مع دموع تلك الكافرة، أو هاتيك المارقة.

هذا مع أن الخمسين دقيقة التي كانت كافية لترويج الإلحاد، لن يضيق بعضها عن تسفيهه والتنفير منه، لو أراد ذلك صاحب القرار في ذلك.

والحق أن صانع الفيلم كان موفقا جدا في نسف خيار حمل السلاح مع الجماعات الجهادية المتطرفة، وذلك من خلال سؤال واحد أحرج فيه ذلك المسلح الذي أقرّ بالتباين الذي لمسه عند الجماعات الجهادية، بين ما يكتبون وبين ما يفعلون.

وحينها سأله صانع الفيلم: "ما دام أنت مختلف بهذا الحجم وهذه الجذرية، ليه مستمر؟!"

وكان سؤالا ذكيا جدا، أُسقِط على إثره في يد ذلك المسلح، وأُلْجِمَ عن الجواب، وسكت لثوانٍ، وتلعثم، وقال بالنص: "هذا سؤال تأسيسي مش عارف كيف أجاوب عليه."

ثم اعتذر بصعوبة العودة عمّا هو فيه إلى الحياة الطبيعية، وبأنه لا بد من مرحلة ترتيب لهذه العودة.ثم ختم جوابه بقوله: "واحنا في فترة ترتيب". (انظر ما بعد الدقيقة الخمسين من الفيلم)

فقد هدم المقدمُ بهذا السؤال فكرةَ التسلح مع تلك الجماعات المتطرفة غير الموثوقة، وانتزع اعترافا من المسلح بالغ الأثر على المشاهد في تزهيده في هذا السبيل الذي يرى ندامة بعض سالكيه عليه، وعزمهم على العودة عنه، وترتيبهم لتلك العودة.

وكان بوسع مقدم الفيلم أن يسأل الملحدات سؤالا كهذا يحرجهن، كما أحرج المسلح، فيقول: ما جوابكِ عن السؤال الكبير الذي أثاره القرآن الكريم: (أَمۡ خُلِقُوا۟ مِنۡ غَیۡرِ شَیۡءٍ أَمۡ هُمُ ٱلۡخَـٰلِقُونَ * أَمۡ خَلَقُوا۟ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضَۚ بَل لَّا یُوقِنُونَ)؟

[سورة الطور 35 - 36]

أو سؤالا بهذا المعنى.

ولكنه لم يفعل، أو لم يوفّق إلى ذلك، مع أنه سؤال تلقائي يفرضه حوار ذلك الصنف من الناس.

-----------

قال الكاتب:

وقد حاز هذا الفيلم قصب السّبق في طرح الفكرة بهذه الطريقة الصّادمة.

-------------

وأقول: هذا ثناء لا يستحقه الفيلم

فيا إخوتي لا يحملنكم الحرص على إدانة الانقلاب الذي تضمنه الفيلم، على الثناء على الفيلم، وتمرير الدعوة إلى الإلحاد من خلال ذلك الثناء.

الفيلم من هذه الحيثية جدير بثناء وتزكية الزنادقة من أنصار الانقلاب.

ولكن إدانته للانقلاب تمنعهم من تزكيته وترويجه.

فنحن أولى أن يمنعنا تزيينُه للإلحاد من تزكيته والثناء عليه، حتى وإن أدان الانقلاب.

وذلك لأنه حسنته لا تكافئ سيئته ولا شطرها ولا عشرها.

حق هذا الفيلم أن يقال لمثله: ...........

لكِ الويل لا تزني ولا تتصدقي.

لا أن يُمدح بإحراز قصب السبق بطرح الفكرة....

-----------

قال الكاتب:

إنّ ممّا يساهم بانتشار أيّة ظاهرةٍ ليس تسليط الضّوء عليها، بل إنكارُها ثمّ مهاجمتها دون أدنى توازن.

وأقول: هذا الكلام ليس على إطلاقه. 

ليست المشكلة في تسليط الضوء على الظاهرة، وإنما في طريقة الإضاءة وتوزيع الضوء، وتحديد المنطقة التي يراد لها أن تكون تحت مركز الضوء.

وهذا هو الذي أنكره على الفيلم أكثر من واحد من المتخصصين في الإخراج والإنتاج الفني.

-----------

قال الكاتب:

لستُ في مقام دفاعٍ عن الفيلم ولا أريد ذلك، ولا أنفي وجود ملحوظاتٍ عليه؛

----------

وأقول: إن لم يكن هذا دفاعا فكيف يكون الدفاع عن الفيلم إذًا؟!

وما هي الملحوظات التي يراها الكاتب عليه؟

فإن كانت هي هي فإن ذِكرها لا يمنع ما دعا إليه الكاتب من التداعي إلى ورشات عمل تخصصية لدراسة الظاهرة.

لم يقل أحد إن نقد الفيلم يتنافى مع تلك الدعوة.

وإنما هو الجمع بين الحسنيين، وهو الأجمل والأكمل.

والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين