حربُ الإعلام بين الأفهام..والأقلام!

حرب الإعلام تشكّل ، منذ القدم ، ساحة صراع ، بين البشر! وأسبابها كثيرة ، وأساليبها متنوّعة!

فمن أسبابها : العداوات بين الناس : أفراداً وقبائل !

ومن دوافعها : التنافس ، في مجالات : الفكر، والسياسة ، والاقتصاد .. وغيرها !

ومن دوافعها: حبّ الغَلبة والسيطرة، في مجالات العقيدة(وقالوا لاتسمعوا لهذا القرآن والغَوا فيه)!

ومن دوافعها : التفاخر الشخصي والقبلي .. وهجاء الخصوم ؛ بقصد التغلّب عليهم ، وإخماد صوتهم !

ومن دوافعها : الدعاية لشخص ما ، أو ضدّه ! فقد هجا الحطيئة ، الزبرقان بن بدر، بقصيدة أوجَعته ؛ ولاسيّما البيت ، الذي يقول فيه :

دع المكارمَ ؛ لا ترحلْ لبُغيتها = واقعدْ ؛ فإنك ، أنت الطاعمُ الكاسي !

فشكا الزبرقانُ الحطيئة ، إلى الخليفة عمر، وأسمعه البيت ، فحكّم عمرُ حسّان بن ثابت، ليقرّر، ما إذا كان البيت هجاءً ، أم لا ! فوصفه حسّان : بأنه من أقذع أنواع الهجاء ! فحبس عمرُ، الحطيئة ، فاستعطف عمرَ، بقصيدة ، فأطلق سراحَه !

وقد كان لرجل ، من قبيلة أنف الناقة ، ثلاث بنات ، لم يتقدّم أحد لخطبتهن ؛ بسبب اسم القبيلة، فأكرَم أبوهنّ ، الشاعرَ الأعشى ، فمدح القبيلة ، قائلاً :

قومٌ همُ الأنفُ ، والأذنابُ غيرُهمُ = ومَن يُسوّي بأنف الناقة ، الذنبا :!؟

وكان هذا أفضل دعاية ، لهنّ ؛ فتزوّجن ، سريعاً ، وصار أزواجهنّ يفخرون ، بأنهم تزوّجوا ، من بني أنف الناقة !

وقد دخل الإعلامُ ، ساحة الصراع ، بين مشركي قريش ، وبين المسلمين ؛ لا سيّما ، بعد أن تأسّست الدولة الإسلامية ، في المدينة المنوّرة ! فقد بادر بعض شعراء المشركين ، إلى هجاء المسلمين ، فتصدّت لهم ، مجموعة من الشعراء المسلمين ، وفي مقدّمتهم : حسّان بن ثابت، الذي استأذن النبيّ ، في هجاء قريش ، فسأله النبيّ : كيف تهجوهم ، وأنا منهم ؟ فقال : أسلّك منهم ، كما تُسَلّ الشعرة ، من العجين ! وقال له النبيّ : اهجُهم ، وروح القدس معك ! فهجاهم هجاء مرّاً ! وفي فتح مكّة ، صبّ حسّان هجاءه ، على رؤوس المشركين ، فقال له النبيّ : إنّ شعركَ أشدّ عليهم ، من وَقع النَبل !

وقد ورد ، في كتب تاريخ الأدب : أن قبيلة نُمير، كانت من جمرات العرب ، فأطفأها جرير، بقصيدته ، التي يقول فيها :

فغُضّ الطرفَ ؛ إنّك من نُمير= فلا كَعباً بلغتَ ، ولا كلابا !

وكان سبب هذه القصيدة ، أن الراعي النميري ، فضّل شعر الفرزدق ، في الهجاء ، على شعر جرير، فقال : ياصاحبَيّ ، دَنا الرَواحُ ، فسيرا = غلَبَ الفرزدقُ ، في الهجاء ، جريرا !

وقد قال أحد الشعراء ، واصفاً طبيعة الكلام ، وأهمّيته:

إنّ الكلام من الفؤاد ، وإنّما = جُعلَ اللسانُ ، على الفؤاد ، دليلا !

وقال المتنبّي :

وكَمْ مِن عائبٍ قولاً صحيحاً = وآفتُه من الفهم السقيمِ

ولكنْ تأخذُ الأذهانُ منهُ = على قَدْر القَرائح والفُهوم !

وقال شاعر معاصر، يرثي سامي الكيّالي :

سقَط اليَراعُ ؛ فمَن له ، ياساميْ = إنْ همّت الأقلامُ ، بالأقلامِ ؟

وقد صارت ساحة الصراع الإعلامي ، اليوم ، من أخطر الساحات ؛ ففيها يمكن أن يُقلب الحقُّ باطلاً، والباطلُ حقّاً، ويوصف المجرمون بأنهم صالحون ، ويوصف الصالحون بأنهم مجرمون!

لكنّ خوضَ الصراع الإعلامي ، يحتاج إلى وعي وخبرة ؛ وإلاّ ؛ فقد يقول الإعلاميُّ كلاماً ، يؤذي به نفسه وقومه ، قبل إيذاء أعدائه ! كالمقاتل ، الذي يطلق الرصاصة ، ضدّ عدوّه ، فيصيب بها نفسه ، أو أحد أفراد أسرته .. وكلاعب الكرة ، الذي يدخلها ، في مرمى فريقه ، فيسجّل هدفاً ، ضدّ نفسه ، وفريقه !

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين