الإلحاد والإباحية والأنظمة السلطوية

بثت " الجزيرة" فيلما وثائقيا قبل أيام يتحدث عن الإلحاد والتطرف في مصر خلال السبع سنوات الماضية،

وفي الحقيقة أنا لا أريد أن أخوض كثيرا في محتوى الفيلم، لأنه من الواضح جدا أن الشخصيات الملحدة التي ظهرت في الفيلم كان إلحادها أو تطرفها لأسباب نفسية، وصدمات إجتماعية أدت إلى هذا الخلل في التفكير، ولم يكن إلحادها ناتجا عن فكرة أوعقيدة جاءت في وقت اختيار عن قناعة، وبعد تأن ورويّة.

وإنما أريد أن أتحدث عن نقطة أحسب أنها مفصلية في هذا الموضوع وهي: أنه ثم علاقة وطيدة بين الإلحاد والإباحية والأنظمة السلطوية، بمعنى أن : البيئة الدكتاتورية السلطوية هي بيئة قابلة لنمو تلك الأفكار فيها، بل ربما هي حاضنة لها إما في العلانية أو أحيانا كثيرة خلف الستار.

من خلال دعم البرامج الإلحادية المباشرة وغير المباشرة، وإفساح المجال لهذه الأفكار أن تنتشر وتشتهر ويرحب بها.

ومن خلال المساهمة في نشر الإباحية وتخدير الشعوب بتلك المواد المفسدة للأبدان والأديان قبل العقول.

ونظرة يسيرة في ما نشر في الربع الثالث من القرن الماضي توضح هذا وتجليه. 

وفي المقابل كانت تلك الأنظمة تعمل على كف يد من يتعرض لها أو يحاول إيقافها.

وما ذاك إلا لأن أخطر ما يهدد أي نظام سلطوي هو من يحمل هم الدين أو يدافع عن فكرة دينية. 

ومن النماذج الواضحة الفاضحة النظام الشيوعي الإلحادي الإباحي السلطوي " نظام الاتحاد السوفيتي" ، والذي عكس ظلالا مرة على العالم العربي في فترة الخمسينات والستينات من القرن المنصرم،

فكم كتبت من كتب وألفت روايات وصورت أفلام تتبنى هذه الفكرة وتنشرها،

وكم حوربت الفضيلة وفتحت السجون على مصراعيها لكل من تحدثه نفسه بمقاومة هذا الشر أومنازلته.

فما صوره الفيلم إنما هو حوادث فردية لأشخاص ضعيفي الشخصية، سطحيي الفكر، لم يتحملوا مرارة الواقع، فهربوا منه إلى تلك الفكرة التي ظنوها مريحة، وهي في الحقيقة غاية في الشقاء والاضطراب.

ولو فتح الباب للمصلحين كما فتح أيام" السادات" لعادت المياه لمجاريها، وارتدت هذه الفكرة الإلحادية المتطرفة على أعقابها من موقع الظاهرة إلى أن تكون حوادث فردية لا يخلوا منها زمن.

أقول أخيرا أن هناك سر في ربط النبي صلى الله عليه وسلم بين الأنظمة السلطوية وبين التعري والإباحية كما في الحديث الذي خرجه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا ؛ قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ".

فمن يتأمل الحديث يرى أنهما قرينان، أو هما وجهان لعملة واحدة الظلم والبطش من جهة، والجهة الأخرى هي التعري والسفور. 

والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين