إلزام الدليمي وعداب بإثبات منقبة النوم في فراش النبوة لأمير المؤمنين أبي تراب

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.. وبعد:

فقد قرأتُ لعداب الحمش الذي يتظاهر بالتشيع، في صفحته قديما يقول: (الأحاديث التي تتحدث عن أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أبقى علياً على فراشه عند الهجرة، كلها ضعيفة ولا يثبت بمثلها شيء) هذا كلامه بحروفه.

واتفق اطلاعي على أسطورة روَّج لها الطبيب طه الدليمي الذي في قلبه بقايا نصب للعترة الطاهرة، زعم فيها لكونه عاميا دخيلا على علوم الشرع، ويهجم على إطلاق الأحكام جزافًا بنوع من رد الفعل تجاه غلو الروافض، أن منقبة مبيت أمير المؤمنين علي في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسطورة.!

والأول وهو عداب أمثل منه، فإنه محدِّث مطلع وليس بدخيل في الصناعة.

ورأيت هذا على تشيعه المشوب بنوع رفض خفي، وذاك على تسنُّنه المشوب بنوع نصب خفي، قد هجما على إنكار هذه المنقبة التي تتايع أئمة السنة على إثباتـها وروايتها، ورأيت كلامهما راج على من لا يدري صناعة السنن، وضعت هذه العجالة في تثبيت دلائل هذه المنقبة العظيمة، ونحن نسوق ما وقفنا عليه من طرقه بما يظهر معه إكذاب الدليمي وعداب، فنقول وبالله التوفيق: 

الحديث أخرجه موسى بن عقبة، وابن إسحاق عن الزهري مرسلا، وأخرجه البيهقي وغيره في (الدلائل) عن عروة بن الزبير مرسلا، ورواه عبد الرزاق عن عكرمة مرسلا، وكذا رواه عبد الرزاق عن قتادة مرسلا، فهذه أربعة مراسيل جياد للخبر.

وأخرجه عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في (الدلائل) والخطيب موصولا موقوفا عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليخرجوك) من طريق معمر عن عثمان الجزري عن مقسم به.

وحسَّنه الحافظ ابن حجر في (الفتح)، والحافظ ابن كثير في (تاريخه)، والبوصيري مع أن فيه ضعفا من جهة راويه عثمان الجزري، وفيه علة لا تضره، فقد اختُلف فيه على عبد الرزاق، فرواه سلمة بن شبيب والدبري عنه دون ذكر ابن عباس، ورواه محمد بن ثور عن معمر دون ذكر مقسم وابن عباس، والصواب قول الأكثر بذكرهما.

فهذا طريق خامسة، وإنما حسنه من تقدَّم ذكرهم، لإجماع أهل السير والمغازي عليه مع انضمامه إلى المراسيل الأربعة، والطرق الأخرى التي سنذكرها، والمرسل حجة عند المحققين إذا كان مرسلُه ثقة كما هو هنا، وكذا هو حجَّة إذا اختلف مخرجه فقوي في النفس أن المرسلَين لم يأخذوه عن بعضهم كما هو هنا كذلك، وقد بسطنا شرح هذا الأصل في جزء (الاحتجاج بالمرسل) والحمد لله. 

وقد ذكر الفخر والبغوي في (تفسيريهما) في سبب نزول قوله تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) أنـها نزلت في عليّ عليه السلام حين بات في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في قول لأهل التأويل.

قلت: وهو قول ابن عباس كما رواه الحافظ أبو القاسم بن عساكر في (تاريخه) فيما يأتي ذكره، ولا يشك أهل الصناعة في قوة هذه الطرق بمجموعها لاختلاف مخرجها، مع ما ينضاف إليها من إجماع أهل السير والمغازي على ذلك، وقد تقرر في الأصول أن إجماع أهل كل فنّ حجَّة ومرجح. 

طريق سادسة: ويقويه ما قال ابن سعد في (الطبقات): أخبرني محمد بن عمر حدثنا عبد الله بن جعفر عن أُم بكر بنت المسور عن أبيها أن رقيقة بنت صيفي بن هاشم بن عبد مناف وهي أُم مخرمة بن نوفل، حذَّرتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن قريشا قد اجتمعتْ تريد بياتك الليلة، قال المسور: فتحوّل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فراشه وبات عليه علي بن أبي طالب.

طريق سابعة: قال الحافظ أبو جعفر الطحاوي في (المشكل): حدثنا أحمد بن شعيب، قال أنبأنا محمد بن المثنى، قال حدثني يحيى بن حماد، قال حدثنا الوضاح وهو أبو عوانة قال: حدثنا أبو بَلج وهو يحيى بن أبي سُليم قال: حدثنا عمرو بن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فسألوه عن علي رضي الله عنه، فقال: كان أول من أسلم من الناس بعد خديجة رضي الله عنها، ولبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ونام، فجعل المشركون يرمون كما يرمون رسول الله صلى اللَّهُ عليه وسلم، وهم يحسبون أنه نبي الله صلى اللَّهُ عليه وسلم، فجاء أبو بكر رضي الله عنه، فقال: يا نبيَّ الله، فقال عليٌّ رضي الله عنه: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد ذهب نحو بئر ميمون فاتبعه، فدخل معه الغار، وكان المشركون يرمون عليا رضي الله عنه حتى أصبح.

وأبو بلج متكلم فيه، لكنه شاهد جيد لما قبله.

قال الطحاوي: (فتأمَّلنا هذا الحديث، فوجدنا فيه لبوس علي رضي الله عنه ثوبَ النبي صلى الله عليه وسلم ونومه وهو عليه، وما كان من المشركين إليه وهم يرونه النبي صلى الله عليه وسلم ومن احتماله لذلك ودوامه عليه، فاحتمل أن ذلك من أمر النبي صلى الله عليه وسلم كان إياه بذلك، واحتمل أن يكون كان بفعله إياه ذلك لا بأمر كان من النبي صلى الله عليه وسلم إياه به ليكون ذلك سببا لبُعد النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، ولتقصير المشركين عن إدراكهم إياه، فنظرنا في ذلك هل نجد شيئا يدلنا على حقيقة الأمر كان فيه).؟

ثم ساق من وجه آخر عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس قال: لما انطلق، يعني النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأقامه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في مكانه، وألبسه بُرده، فجاءت قريش يريدون أن يقتلوا النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلوا يرمون عليا وهم يرون أنه النبي صلى الله عليه وسلم وقد ألبسه بُرده، فجعل علي رضي الله عنه يتضور، فنظروا فإذا هو علي رضي الله عنه، فقالوا: إنه ليألم، لو كان صاحبكم لم يتضور لقد استنكرنا ذلك.

قال الطحاوي: (فعقلنا لما في هذا الحديث أن لبوس علي رضي الله عنه قميصَ النبي صلى الله عليه وسلم ونومه في مكانه كانا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك به). 

قلت: وأخرجه الحاكم من هذا الوجه وصححه ووافقه الذهبي.

طريق ثامنة: قال الحاكم في (كتابه): حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق، أنبأ محمد بن موسى القرشي، ثنا عبد الله بن داود، ثنا نُعيم بن حكيم، ثنا أبو مريم الأسدي عن علي رضي الله عنه قال: لـمّا كان الليلة التي أمرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن أبيت على فراشه، وخرج من مكة مهاجراً.. الحديث.

قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

طريق تاسعة: وقال الحاكم أيضا: حدثنا بكر بن محمد الصيرفي بمرو ثنا عبيد بن قُنفذ البزار ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ثنا قيس بن الربيع ثنا حكيم بن جُبير عن علي بن الحسين قال: (إن أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله علي بن أبي طالب). 

وقال عليٌّ عند مبيته على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم شعراً:

وقيتُ بنفسي خيرَ من وطِئَ الحصا...ومن طافَ بالبيت العتيقِ وبالحِجْرِ

رسولَ إلهٍ خاف أن يـمكروا به ...... فنجّاهُ ذو الطَّوْلِ الإلهُ من الـمَكْرِ

وباتَ رسولُ الله في الغارِ آمنا ......... مُوقىً وفي حفظِ الإلهِ وفي ستْرٍ

وبِتُّ أُراعي منهمُ ما يسوءني .... وقد صبرت نفسي على القتلِ والأسْرِ

وفيه لين وانقطاع، لكنه شاهد جيد فإن علي بن الحسين عليه السلام عالم بأحوال العترة الطاهرة فالغالب أنه تلقَّاه عمن سمع من علي عليه السلام.

الطريق العاشرة: أخرجه الحافظ أبو القاسم بن عساكر في (تاريخه): من طريق عبد الرحمن بن ميمون حدثني أبي عن عبد الله بن عباس أنه سمعه يقول: أنام رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا على فراشه ليلة انطلق إلى الغار، فجاء أبو بكر يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره علي أنه قد انطلق فاتبعه أبو بكر وباتت قريش تنظر عليا، وجعلوا يرمونه فلما أصبحوا إذا هم بعلي فقالوا: أين محمد؟ قال لا علم لي به، فقالوا: قد أنكرنا تضررك كنا نرمي محمداً فلا يتضرر وأنت تضرر، وفيه نزلت هذه الآية: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) وهو شاهد ثالث جيد لرواية ابن عباس على لين في إسناده.

الطريق الحادية عشرة: أخرجه ابن عساكر من طريق ابن شاهين، نا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني نا أحمد بن يوسف، نا محمد بن يزيد النخعي، نا عبيد الله بن الحسن حدثني معاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده رافع قال عبيد الله بن الحسن وحدثني محمد بن عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن أبيه عن جده عن أبي رافع، قال عبيد الله بن الحسن وحدثني محمد بن عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن أبيه عن جده عن أبي رافع أن عليا كان يجهز النبي صلى الله عليه وسلم حين كان بالغار ويأتيه بالطعام واستأجر له ثلاث رواحل للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر ودليلهم ابن أريقط، وخلفه النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إليه أهله، فخرج وأمره أن يؤدي عنه أمانته ووصايا من كان يوصي إليه وما كان يؤتمن عليه من مال، فأدى أمانته كلها وأمره أن يضطجع على فراشه ليلة خرج وقال: (إن قريشا لن يفقدوني ما رأوك) فاضطجع علي على فراشه، فكانت قريش تنظر إلى فراش النبي صلى الله عليه وسلم فيرون عليه رجلا يظنونه النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا أصبحوا رأوا عليه عليا فقالوا: لو خرج محمد خرج بعلي معه، فحبسهم الله عز وجل بذلك عن طلب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأوا عليا.. الحديث وفي إسناده نظر.

الطريق الثانية عشرة: أخرجه ابن عساكر من طريق أبي العباس بن عقدة الحافظ الكوفي نا الحسين بن عبد الرحمن بن محمد الأزدي نا أبي نا عبد النور بن عبد الله عن محمد بن المغيرة القرشي عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس قال: بات عليٌّ ليلة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين على فراشه ليعمي على قريش، وفيه نزلت هذه الآية: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) وهو شاهد رابع لحديث ابن عباس.

وفيه ضعف وانقطاع، وهذه الروايات كما ترى لا تخلو من مقال، لكن مجموعها ينتهض دون ريب لتصحيح ثبوت هذه المنقبة والكرامة لأمير المؤمنين علي عليه السلام بمجموع هذه الطرق الإثني عشر التي لم يسمع بـها الدليمي وعداب، وثبت خلاف ما قالاه، وسقط كلامهما، ولاح لكل عاقل منصف تـهافتهما وقلة اطلاعهما على الحديث، وإطلاقهما الكلام جزافا دون علم أو ورع.

والحمد لله رب العالمين

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين