حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون (3)

حقوق المرأة عند اليهود وباقي الشرائع

أما حقوق المرأة عند اليهود فقد أشارت كتبهم المنسوبة إلى موسى عليه السلام أن البنت تخرج من ميراث أبيها إذا كان له عقب من الذكور، وما عدا هذا الحكم الصريح فهو من قبيل الهبة التي يختارها الأب في حياته. ومثل هذه الهبة ما أعطاه إبراهيم ابنه إسماعيل عليهما السلام كما جاء في الإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين (إذ قالت سارة لإبراهيم: اطرد هذه الجارية وابنها لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحاق، فقبح الكلام جداً في عيني إبراهيم لسبب ابنه. فقال الله لإبراهيم: لا يقبح في عينك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك. وفي كل ما تقول لك سارة اسمع قولها. لأنه بإسحاق يدعى لك نسل).

ثم جاء في الإصحاح الخامس والعشرين أن (إبراهيم أعطى إسحاق كل ما كان له. وأما بنو السراري اللواتي كانت لإبراهيم فأعطاهم إبراهيم عطايا وصرفهم عن إسحاق ابنه شرقاً إلى أرض المشرق وهو - بعد- حي). وكذلك صنع أيوب في حياته كما جاء في الإصحاح الثاني والأربعين من سفره (ولم توجد نساء جميلات كنساء أيوب في كل الأرض. وأعطاهن أبوهن ميراثاً بين أخوتهن، وعاش أيوب بعد هذا مئة وأربعين سنة).

والحكم المنصوص عليه في حق الميراث أن تحرم البنات ما لم ينقطع نسل الذكور، وأن البنت التي يؤول إليها الميراث لا يجوز لها أن تتزوج من سبط آخر، ولا يحق لها أن تنقل ميراثها إلى غير سبطها، وجاء هذا الحكم بالنص الصريح في غير موضع من كتب التوراة، فجاء في الإصحاح السابع والعشرين من سفر العدد أن بنات صلفخاد بن حافر: (وقفن أمام موسى واليعازار الكاهن، وأمام الرؤساء، وكل الجماعة لدى باب الخيمة الاجتماع قائلات: أبونا مات في البرية ولم يكن في القوم الذين اجتمعوا على الرب في جماعة قورح، بل بخطيئته مات ولم يكن له بنون.. لماذا يحذف اسم أبينا من بين عشيرته لأنه ليس له ابن.. أعطنا ملكاً بين أخوة أبينا !.. فقدم موسى دعواهن أمام الرب. فكلم الرب موسى قائلاً: بحق تكلمت بنات صلفخاد، فتعطيهن ملك نصيب بين أخوة أبيهن وتنقل نصيب أبيهن إليهن وتكلم نبي إسرائيل قائلاً: أيما رجل مات وليس له نصيب ابن تنقلون ملكه إلى ابنته، وإن لم تكن له ابنة تعطوا ملكه لأخوته، وإن لم يكن له أخوة تعطوا ملكه لأخوة أبيه، وإن لم يكن لأبيه أخوة تعطوا لنسيبه إليه من عشيرته فيرثه. فصارت لبني إسرائيل فريضة قضاء كما أمر الرب موسى).

ويلي ذلك من الإصحاح السادس والثلاثين أنه: (يتحول نصيب بنو إسرائيل من سبط إلى سبط، بل يلازم بنو إسرائيل فلتكن امرأة لواحد من عشيرة سبط آبائها لكي يرث بنو إسرائيل منهم ميراث آبائه ولا يتحول ميراث من سبط إلى سبط آخر، بل يلازم كل سبط من بني إسرائيل ميراثه).

وهنا يتبين لنا أن تحويل البنت حقها من الميراث عند انقطاع الذرية من الأبناء - كما فهمنا ذلك في شريعة موسى - إنما هو حكم من أحكام الضرورة مشروط بشروط، فلا تتزوج صاحبة الميراث من غير أبناء عشيرتها. 

وهكذا نجد أن الميراث هنا حق لم تنله المرأة، بل كان داعي من دواعي الضرورة، لأن هذا الإرث سيكون في النهاية من نصيب أحد رجال العشيرة.

الفروق بين حق المرأة في الإسلام وحقوق المرأة في باقي الشرائع

لقد كانت للمرأة في الإسلام حقوق، سواء ما كان قبل الزواج أو بعده، مثلها في ذلك مثل الرجل، فقد منحها الإسلام حق اختيار الزوج الذي تريد، ومنحها حق التصرف في أموالها وممتلكاتها، كما أعطاها الحق في إبرام ما تشاء من عقود وتصرفات قانونية، دون أن تخضع لأية وصاية من أحد عليها، أو تحتاج لإجازة أبيها أو زوجها على تصرفاتها.

ولقد ظلت أوروبا وبخاصة فرنسا إلى عهد الجمهورية الرابعة بعد الحرب الأخيرة، لا تمنح المرأة حق التصرف في مالها - كما يعطيها ذلك الحق الإسلام - إلا بإذن وليها، على حين منحتها حق الدعارة علانية أو سرية وهذا الحق الأخير هو الذي منعه الإسلام عن المرأة، صيانة لها، وعفّةً وحفظاً للقيم العليا في المجتمع. ومنحها الإسلام حق الوراثة والتوريث كالرجل. 

وحرم الإسلام على الأزواج المساس بحقوق وأموال زوجاتهم وأكد على ذلك عبر ما جاء في القرآن الكريم من آيات وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث، وما حفظه التاريخ لنا من قصص وحكايات تصب كلها في تقيد الصحابة والتابعين بما جاء في القرآن والسنة حول هذه المعاني.

يقول تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث فيهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً). ويقول تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً). وقال تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً).

وقال تعال: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً). وقال تعالى: (ولا تمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليماً). وقال تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم عل البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم). وقال تعالى: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً كبيراً . وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً).

وجاء في الأثر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوصى بالمرأة، فقد كان آخر ما قاله وهو على فراش الموت: ((استوصوا بالنساء خيراً)). وقال أيضاً: ((وساووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء). وقال أيضاً: ((اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف). وقال: (( سووا بين أولادكم في العطية، فإني لو كنت مؤثراً أحدا على أحد لآثرت النساء على الرجال)). وقال أيضاً: ((من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها أدخله الله الجنة)). وقال أيضاً: ((من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجاباً من النار يوم القيامة)). وقال أيضاً: ((اتقوا الله في الضعيفين المملوك والمرأة)). وقال عليه الصلاة والسلام: ((اتقوا الله في الضعيفين: المرأة الأرملة، والصبي اليتيم)). وقال عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع: ((ألا فاتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله لكم عليهن حق ولهن عليكم حق)).

لقد كفل الإسلام مساواة المرأة بالرجل من خلال أوامر ربانية وأحاديث نبوية من حيث الجنس والحقوق الإنسانية، ولم يقر الإسلام التفاضل إلا في بعض المسائل التي أناطها الله سبحانه وتعالى بالرجل دون المرأة، وهذا لا يؤثر بحال من الأحوال على حقيقة الوضع الإنساني للجنسين، أو على التأثير الوجداني والقيمي في الحياة.

فقد ساوى الإسلام بين الذكر والأنثى في الأعمال والجزاء عند الله تبارك وتعالى حيث يقول: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى، وهو مؤمن، فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً). وقال تعالى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن، فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون). وقال تعالى: (إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى، بعضكم من بعض).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين