نقض منهجيّة القراءة المعاصرة للنّصّ القرآنيّ عند المهندس محمد شحرور(5-7)

المسألة الرابعة: النظرية اللغويّة التلفيقيَّة تحت دعوى نفي الترادف

يعتبر نفي الترادف الأساس المنهجي الأكثر حضورًا في كتب شحرور، ويعتمد عليه بشكل كلي، إذ يخترق منهجه أفقيًا وعموديًا في تحديد معاني الألفاظ.

إن القول بعدم وجود الترادف في اللغة هو رأي أبي علي الفارسي، الذي وافقه فيه كل من ابن جني وعبد القاهر الجرجاني في دراسة الشعر الجاهلي، وقد اعتمد شحرور هذه النظرية ليصل من خلالها إلى نفي الترادف تماما عن القرآن، بحسب زعمه، يقول في ذلك: "التنزيل الحكيم خال من الترادف، في الألفاظ وفي التركيب، فاللوح المحفوظ غير الإمام المبين، والأولاد غير الأبناء، والفؤاد لا يعني القلب، وللذكر مثل حظ الأنثيين، لا تعني للذكر مِثلَا حظ الأنثى" (1).

على هذا الأساس، وهو غياب الترادف في اللغة وفي النص القرآني، قعد شحرور لمعان جديدة للكلمات فميز بين "القرآن" و"الكتاب" وبين "الذكر" و"الفرقان" و"أم الكتاب"، مع الإشارة إلى أنّ معنى الترادف الذي نفاه شحرور، هو وجود مفردتين أو أكثر بمعنى واحد.

لكن يظهر تلاعب شحرور في تترسه بقضية نفي الترادف في عدة جوانب:

1- إن علماء اللغة مختلفون في قضية الترادف بين من يثبته كسيبويه والفيروز آبادي، وبين من ينكره كابن فارس وابن جني والبيضاوي.

2- لكن الاختلاف بين علماء اللغة عائد إلى معنى الترادف.. وهل الخلاف راجع إلى علاقة الاسم بالوصف؟

وهذه مسألة ذكرها ابن فارس في (الصاحبي في فقه اللغة العربية) والغزالي في (المستصفى) وفي (معيار العلم) والفخر الرازي في (لوامع البينات في الأسماء والصفات)، فالسيف اسم والمهند والصارم والبتار هي صفات لها حيثياتها. 

فالاسم ما دل على الذات دون معنى زائد، أما الوصف فهو ما دل على الذات مع زيادةٍ في الوصف، وعلى هذا فهل الاختلاف بين الاسم والأوصاف يفضي إلى عدم التَّشابُه التَّامّ في كل الأحوال بين معاني الكلمات التي يقال عنها مترادفة؟ أم هل ما يقال عنه ترادف؛ هو في حقيقته أسماء متعددة لمسمى واحد؟ ولكن كل اسم من هذه الأسماء يعطي معنى زائدًا أو ناقصًا للمسمى؟ 

وهذا ما يجعل الخلاف يكاد يكون لفظيا بين من يجعل الترادف عبارة عن تعدد الأسماء لمسمى واحد، وبين من يفرق بين الاسم والصفة، فيكون الاسم واحدًا والصفات متعددة، وهذا ما ينسف التكأة التي يتعكز عليها شحرور ليمرر منهجه البدعي؛ إذ إن اختلاف مبنى اللفظ يؤدي إلى اختلاف بالمعنى من حيث الزيادة فيه أو النقصان منه، وليس لاختلافه تمامًا إلى درجة التباين التام.

فكلمة العشق، والهيام، والغرام، والوَجْد، وإن كانت ألفاظًا مختلفة لكنها تؤدي إلى معنى واحد أصيل وهو التعلق العاطفي بالشيء المشهور باسم (الحب).

ويبقى التفاوت في وصف هذا التعلق ودرجته من خلال اختلاف اللفظ المعبر به عنه، يقول الأستاذ يوسف صيداوي (2) في ذلك: (إن القراءة المعاصرة - التي جاء بها شحرور قد تسللت من معنى الترادف، إلى باطل لا علاقة له بالترادف من قريب ولا بعيد، وذلك أن الأئمة الذين أنكروا الترادف، كأحمد بن يحيى وابن فارس وأبي هلال العسكري... لم يزيدوا على أن قالوا ما معناه: إن بين المترادفات فروقًا في الصفات، والصفة هي زيادة على المعنى الأصلي وليست معنى مستقلا بذاته.

مثال ذلك أن بين الحسام، والصارم، والمهند، والبتار، والفيصل، فروقًا في الصفات ولكنها جميعها إنما تدل على تلك الحدة، ولم يقل أحد من أهل اللغة إن الحسام غير المهند، والمهند غير السيف... إلخ.

أما القراءة المعاصرة التي جاء بها شحرور؛ فقد تسللت من هذا الذي أجمع عليه أئمة اللغة إلى حكم مرتجل لا أصل له! فقال شحرور: "الترادف خدعة، والمترادفان متغايران" وعليه فإن الكتاب غير القرآن والقرآن شيء، والكتاب شيء آخر، والفرقان شيء ثالث، والذكر رابع، وأم الكتاب شيء سادس.. (وهكذا هات فأسًا وخذ قطعًا) وهنا ندرك جوهر التلفيق الذي قام به شحرور، فأئمة اللغة الذين أنكروا الترادف قالوا: إن بين المترادفات فرقًا في الصفة، وأما شحرور فقال: إن كلًا من المترادفات يغاير صاحبه، فهذا شيء وهذا شيء آخر، فهل اللغة مجال للعبث واللعب، وهل تؤتى البيوت من ظهورها بهذه الطريقة التلفيقية في اللغة (3).

المصدر : العدد الرابع من مجلة مقاربات التي يصدرها المجلس الإسلامي السوري 

تنظر الحلقة الرابعة هنا 

======-

(1) انظر بحث (العائد الحضاري والمعرفي في القراءة المعاصرة للقرآن الكريم) للباحث المغربي الحسن حما، ص 7 صادر عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود.

(2) يوسف الصيداوي، عالم لغوي سوري، وأديب مرب، وخبير بالموسيقا والأنغام، مجود وحافظ للقرآن الكريم ولد بدمشق عام 1930 لأسرة شيعية فقيرة، وتوفي 2003 [المصدر ويكيبيديا].

(3) انظر كتاب بيضة الديك، للدكتور يوسف صيداوي، ص 62 طبعة المطبعة التعاونية.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين