خلوص التوحيد في فناء مرادات الإنسان إذا تعارضت مع أوامر الله

تابع الشيخ الكلام عن أبي الأنبياء إبرهيم عليه السلام وذكر حال التوحيد الخالص لديه، كيف لا وقد وصفه الله تعالى بنفي الشرك عنه بكل أنواع الشرك ( ولم يك من المشركين ) وأنه إمام الناس في خلوص التوحيد ، ووضح أن خلوص التوحيد ليس في ترك عبادة غير الله تعالى فحسب ،بل في أن تفنى مرادات ورغبات المؤمن إذا تعارضت مع أوامر الله عز وجل وهذا هو سر التكليف والاختبار.

وذكر الخطيب أن من أجلى مظاهر هذا الخلوص في التوحيد قصة إبرهيم في أمر الله له بذبح ولده وكيف استسلم الوالد وولده لهذا الأمر دون أي تردد وبكل رضا ، مع صعوبة هذا الأمر الذي لم يشهد تاريخ البشرية أصعب منه أن يذبح الوالد ولده بيده ويرى تفجر دماء عروقه أمام ناظريه، ولم يكن هذا إلا اختبارا من الله ليكون درسا لكل المؤمنين بعده ، لذا فالله تعالى فداه بذبح عظيم لأن الله لا يريد بالحقيقة ولدا مذبوحا ودماء مراقة ولكنه يريد أن يبين مزية هذين المخلصين على بقية العباد.

وأشار الخطيب إلى لطائف بلاغية وتربوية من خلال إشارات الآيات :

أولها :هذا الولد لابرهيم كان استجابة لدعاء إبرهيم ( رب هب لي من الصالحين) بينما الولد الثاني لابرهيم كان هبة من الله تعالى .

ثانيها أنه لا بأس أن يطلب العبد من ربه أن يهبه الولد لكن بشرط أن يكون صالحا ( هب لي من الصالحين ) وإلا فالولد الفاسد يكون مصيبة ونكالا ولا يكون قرة عين .

ثالثها أن هذا الولد الموهوب لإبرهيم وصفه الله بالحلم ( فبشرناه بغلام حليم ) وظهر حلمه عندما قال ( ياأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ).

رابعها أمر تربوي وهو قوله تعالى ( فلما بلغ معه السعي ) قال المفسرون أنه بلغ ثلاثة عشر عاما ، فشأن الولد في هذا السن أن يكون ( مع والده ) يسعى معه ويتعلم منه خاصة إذا كان من أهل العلم ورجالات المجتمع فيصحبه ليتعلم مع شؤون الرجولة العلم النافع ، لا أن يبقى حبيس تربية النساء أو أماكن اللهو وأن الأبوان الحصيفان هما الذان يوجهان أبناءهم إلى هذه الصحبة وكذا كان إبرهيم نبيا وعليما ورجل مجتمع بل كان يسمى أبا الضيفان وكان ولده يسعى معه معينا ومتعلما.

خامسها: أن الله ذكر أن ابرهيم قال لولده ( إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى ) أي هل ستستجيب لأمر الله تعالى ، وفي قراءة أخرى ( فانظر ماذا تري ) أي انظر ماذا تري الله عز وجل من استسلامك لمراده، وماذا تري والدك من طاعتك وبرك ، وكأنه خطاب لكل مؤمن عندما يواجه بلواعج نفسه تريد مخالفة أو معصية يناديه الحق ( انظر ماذا تري ربك فالله بصير بك)

سادسها ، لم يرد في هذه القصة ذكر لأم الولد ( زوج إبرهيم ) مع ذكرها في قصة أخرى فلم يستشر إبرهيم زوجه في هذا الأمر الجلل ، ولا الغلام استشار أمه أو ودعها على الأقل ، إظهارا أن الاستسلام لأمر الله لم يدع مجالا لهذا الأمر وأن الزوجة لايستشيرها الزوج في أمر من أوامر الله تعالى بل إنها في ما يفعله الزوج من طاعة يجب أن تكون تابعة له ولمراده ومراد الله منه.

وحث الخطيب في نهاية الخطبة أن ينتقل المؤمن إلى تدبر العظات والعبر من قصص القرآن ولا يكتفي بمجرد القراءة أو الحفظ لآيات الله .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين