جارك يستغيث

هل قرأت قول الله تعالى: (واعبُدوا اللهَ ولا تُشركوا به شيئاً، وبالوالدين إحساناً، وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى، والجار الجنب...). الآية 36 من سورة النساء.

أرأيت كيف ذكر أمهات الأمور: عبادة الله وتوحيده، والإحسان إلى الوالدين، والبر بالأقارب واليتامى والمساكين، وذَكَرَ الجار القريب، بمعنى الذي بينك وبينه قرابة نسب أو مصاهرة، أو بمعنى الجار الذي تكون داره قريبة من دارك، وذكر الجار الجنب وهو الجار البعيد أي الذي تكون داره بعيدة عن دارك، أو بمعنى أن ليس بينك وبينه قرابة...

وقد شمل الجيران هؤلاء جميعاً بوجوب البر بهم، والإحسان إليهم، وهذا يقتضي حكماً: تحريم إيذائهم والإساءة إليهم، كما يقتضي الصبر على إزعاجهم أو إساءتهم إذا صدر منهم ذلك.

ولعلنا جميعاً نتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه". رواه البخاري.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "والله لا يؤمِنُ، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن". قيل: ومَن يا رسول الله؟. قال: "الذي لا يأمن جارُه بوائقه". [أي شروره]. رواه البخاري.

ولنقرأ هذا الحديث الذي رواه أبو نعيم في حلية الأولياء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الجيران ثلاثة: جار له حق واحد، وهو أدنى الجيران حقاً. وجار له حقّان، وجار له ثلاثة حقوق، وهو أفضل الجيران حقاً. فأما الجار الذي له حق واحد فالجار المشرك لا رَحِمَ له، وله حق الجوار. وأما الجار الذي له حقان فالجار المسلم لا رحم له، وله حق الإسلام وحق الجوار. وأما الذي له ثلاثة حقوق فجارٌ مسلم ذو رحم، له حق الإسلام وحق الجوار وحق الرحم. وأدنى حق الجوار أن لا تؤذي جارك بقتار قدرك، إلا أن تقدح له منها".

ولننظر إلى هذه اللطيفة في آخر الحديث: لا تؤذِ جارك بدخان نارك التي توقد عليها طعامك، فإذا وصل إليه هذا الدخان فاسكُبْ له من هذا الطعام حتى تجبُرَ خاطره!.

هذه بعض حقوق الجار في ظروف الأمن والاستقرار، فأما في ظروف الفقر والحاجة وشُحّ الموارد، والتعرّض للقتل والجراح وانهدام البيوت والهجرة والتشرد والمرض والبرد... مما يعيشه أبناء شعبنا منذ سنوات، فما أعظم حق جارك عليك!!. أليس من واجبك أن تقاسمه لقمة طعامك، وأن تعينه في إسعاف ابنه المريض أو المصاب، وأن تحفظه في أهله وعرضه، وأن ترشده إلى ما يُصلح به حياته... وأن تنفّس عنه كُربته، وأن تُيسِّر له ما يصعُب عليه... بلى، بلى، بلى، "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". رواه مسلم.

اللهم احفظنا في ديننا وفي أهلنا وفي جيراننا واجعلنا ممن يُحسنون إلى جيرانهم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين