المعركة مع القرآنيين: قديم يتجدد

القرآنيون هم فئة تدعو إلى الأخذ فقط بنصوص القرآن الكريم وعدم الأخذ بنصوص السنة النبوية لأنها بزعمهم كلام الناس وليست كلام رب الناس..

وهذا جهل بالسنة النبوية ومكانتها في التشريع الإسلامي، فالسنة النبوية وحي كالقرآن تماما، والفرق بينهما أن القرآن لفظا ومعنىً من الله تعالى، والسنة النبوية معنىً من الله تعالى ولفظا من النبي صلى الله عليه وسلم. وبالتالي هي وحي كالكتاب، والأخذ بأحكامها مثل الأخذ بالكتاب الكريم.

وهذه الدعوة ليست جديدة فهي تتكرر كلما ارتكست الأمة، وضعف وجودها السياسي والفكري والعلمي. وهكذا الفتن دائما تظهر على حين فرقة من الناس كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند أحمد في المسند عن قوم أهل فتنة ذكرهم النبي صلى الله عليهم، (يَكُونُونَ فِي أُمَّتِهِ، يَخْرُجُونَ فِي فِرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ).

وقد حذرنا منهم النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والإمام أبو داود وغيرهما، عن الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًاعَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، أَلَا وَلَا لُقَطَةٌ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُمْ، فَلَهُمْ أَنْ يُعْقِبُوهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُمْ).

هذا الحديث النبي الشريف يبين أهمية السنة النبوية الشريفة وأنها مثل القرآن من حيث العمل إذا ثبتت الروايات.

كما أن الحديث حذّر من أناس سيأتون يطعنون بالسنة النبوية مقتصرين فقط على ما جاء في القرآن الكريم يريدون أن يفرقوا بين الله تعالى وبين رسوله صلى الله عليه وسلم، فحذرنا منهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأعطنا الأوصاف اللازمة لهذه الفئة التي تريد الطعن بالأحكان الشرعية، فواحدهم: (ينثني شبعانا على أريكته)، قيل: وصفه بذلك لأن الحامل له على هذا القول إما البلادة وسوء الفهم، ومن أسبابه كثرة الأكل، وإما البطر والحماقة، ومن موجباته التنعم والغرور بالمال والجاه، والشبع يكنى به عن ذلك.

وقوله (على أريكته)، أي: جالساً على سريره المزين. قال الخطابي: أراد به أصحاب الترفُّه والدعة الذين لزموا البيوت، ولم يطلبوا العلم بالأسفار من أهله.

قال الخطابي: يحذر بذلك مخالفة السنن التي سنَّها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما ليس له في القرآن ذكر، على ما ذهب إليه الخوارج والروافض، فإنهم تعلقوا بظاهر القرآن، وتركوا السنن التي قد ضمنت بيان الكتاب، فضلوا.

قال: وفي الحديث دليل على أنه لا حاجة بالحديث إلى أن يُعرضَ على الكتاب، وأنه مهما ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان حجة بنفسه.

وإذا علمنا كل ذلك، علمنا السبب في دعوة هؤلاء إلى ترك السنة، ذلك أنها تفضح مرادهم ودسائسهم، وتضبط عملية الفهم والتطبيق، ولا تسمح لمن ليس بأهل أن يتسور أحكامها والتعامل معها.

فلما قصرت همتهم أن يرتقوا إلى مستوى نصوص الوحي، وتكاسلوا عن أداء الفرائض والتكاليف الشرعية، أرادوا أن يشرعنوا عجزهم، وهو أمر لا سبيل إليه إلا بالدعوة إلى ترك السنة التي تعلمنا كيف نفهم الأحكام وكيف نطبقها، وكيف ننزل الأحكام على الوقائع، وكيف نخرج أحكام النوازل التي لم يسبق لها مثال...

باختصار هم يريدون تعطيل الأحكام واستبدالها بغيرها.. وأنى لهم ذلك وقد قال الله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ومن مستلزمات حفظ القرآن حفظ السنة النبوية، لأنها تبين مجمله، وتفسره، وتشرح طريقة التعامل مع النصوص. 

وحديثا كتب العلامة الكبير الإمام عبد الغني عبد الخالق رحمه الله تعالى كتابه الفذ العظيم (حجية السنة) ردا علميا قويا مفحما لهؤلاء.

كما كتب الأستاذ المجاهد الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى كتابه الرائع (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي) ردا فكريا عليهم.

لذلك فإن هذه المعركة ليست بالأمر الجديد، وستندحر كما اندحر سابقاتها، (والله من ورائهم محيط) وهو سبحانه (لا يزال يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم بطاعته).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين