كلمة في الاقتصاد الإسلامي

ما يزال الكُتّاب والمُفكّرون المسلمون يؤكّدون شمولَ الإسلام لحياة الإنسان الروحية والفكرية والعملية، فيربطه بربّه سبحانه ثم ينظم علاقته بنفسه وبأفراد أسرته ومجتمعه، وعلاقة المجتمع الإسلامي بغيره من المجتمعات، وبذلك يشمل جوانب الاعتقاد والاجتماع والاقتصاد والسياسة والثقافة...

ولكن في البدء لا بد من تأكيد معنى الإيمان بالله، وتعميق رقابة الله تعالى في قلب المؤمن، وحبّه وخشيته وطاعته فيما أمر ونهى... فهذا الإيمان هو الذي يعطي الجدّيّة في التطبيق والالتزام، فإذا خالف المؤمن في بعض الأمور أحسّ أنه مخطئ آثم، فتاب واستغفر. فإذا ضَعُف هذا الإيمان أو تلاشى فلا أمل في تطبيق مناهج الإسلام في أي جانب من جوانب الحياة. وكل الجوانب مترابطة فيما بينها، ومرتكزة إلى الإيمان!.

فإذا تكلّمنا عن الاقتصاد الإسلامي برز لنا عددٌ من المرتكزات:

الأول: أن الإنسان مستخلف على المال، والمالك الحقيقي للمال هو الله عز وجل:

(لله ملكُ السماوات والأرض). {سورة الشورى: 49}.

(وأنفقوا مما جعلكم مستخلَفين فيه). {سورة الحديد: 7}.

(وآتوهم من مال الله الذي آتاكم). {سورة النور: 33}.

فإذا تأكّد هذا المرتكز في الفكر، وتعمّق في القلب، تهيّأ المسلم لضبط ما يكسِب وما يُنفق، وفق شرع الله، فالتزم بالزكاة والصدقات، وامتنع عن الربا والغش والاحتكار...

الثاني: أن التكافل بين أبناء المجتمع الإسلامي قرينٌ للإيمان، فالمؤمنون إخوة، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً، والمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والمؤمن أخو المؤمن لا يظلمه ولا يُسْلمه ويخذُله، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته...

الثالث: مراعاة الأولويات، وقد اتّفق الفقهاء وعلماء الأصول، من خلال تتبّعهم لنصوص الشريعة أن حاجات الإنسان على ثلاث مستويات، أولها: الضروريات، وهي التي لا يكاد الإنسان يعيش بدونها كالأمن والغذاء والكساء والمسكن والدواء، فهذه لها الأولوية المطلقة. وثانيها: الحاجيات، وهي التي يحتاجها الإنسان ليعيش بسلاسة ويُسر، وهي ما زاد على الضروريات واحتاج الإنسان إليها للعيش المعتدل، كخدمات التعليم والمواصلات. وثالثها: الكماليات والتحسينات، وهي ما زاد على ذلك مما يجمّل الحياة وينشُر الأُنس والرفاهية فيها. وبذلك يراعي الاقتصاد هذه الأمور فيعطي الأولوية لتحقيق كفاية المجتمع والأفراد من إنتاج الضروريات أولاً، من زراعة وصناعة وخدمات، ثم لتحقيق الحاجيات ثم التحسينات. فليس من السياسة الاقتصادية أن نتوجّه لتوفير الكماليات في الوقت الذي نجد المُعْوِزين الذين لا يجدون قوت يومهم، أو لا يتمكّنون من علاج مريضهم.

الرابع: التكامل والتوازن بين قطاعات المجتمع، من زراعة وصناعة، وطب وتعليم، واستيراد وتصدير، وقطاع خاص وقطاع عام، واستثمار فردي واستثمار جماعي، وتشجيع للمبادرات الفردية وضمان حقوق المجتمع... وكل ذلك وفق أحكام الشرع فيما يتعلق بالربا والاحتكار والرشوة والتنافس والمضاربة والمزارعة والإجارة... وغير ذلك مما يؤدي إلى ازدهار المجتمع، وتحقيق الكفاية، والحماية من الظلم...

(وقل: اعملوا، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). {سورة التوبة: 105}.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين