في لحظة صفاء بيني وبين صديق ممن جمعنا عهد الطلب من مجالس العلم وقِطاف ثمرات الأدب والعلم من حدائق الكتب ، تساءلنا :
يا ترى : هل سيكون في الجنة كتب .؟!
وفي لحظات طاف بنا سيل من الخواطر حول من تعلقوا من دنياهم بكل جميل وكان مبلغ أملهم أن لا يقطع الموت صلتهم بما تعلقوا به .
" حامد الآمدي " التركي واحد من عظماء فن الخط العربي ، ورائد من رواده في القرن العشرين ، عشق هذا الفن وتبتل في محرابه وتخرج على يديه أجيال خلال عمره الذي تجاوز التسعين عاماً ، قدم خلالها آيات من الفن والجمال والأصالة .
يَروِى أنه رأى في المنام رفيق دربه في هذا الفن " الحاج حليم " بعد موته ، رآه في حلة بهيَّة يطوف في الجنة ، فسأله : هل في الجنة عندكم أوراق وأقلام وأحبار .؟!
شغله أن يحول الموت بينه وبين ما ذاب فيه عشقاً طوال عمره المديد ، فتمنى له امتدادا لا يزول .
والعالم اللغوي "عبد الله بن حمّود الزبيدي" كان يقول: " قد رضيت في الجنة بكتب الجاحظ عوضا من نعيمها".
وسيدنا "بلال الحبشي" الذي عشق من دنياه صحبة النبي صلى الله عليه وسلم ، شغله وهو على فراش الموت أن تكتمل جنته باستمرار الصحبة ، فهتف في تلك اللحظة العصيبة والفتنة المهولة :
" غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه "
أما أكمل الخلق وحبيب الحق صلي الله عليه وسلم ، من ذاب عشقاً في خالقه ، وعاش مُبَلِغاً عنه ، وحاملاً لرسالته ، كانت جائزته الكبري التي ينتظرها في لحظة وفاته ، الانتقال إلي الرفيق الأعلى ، فظل يردد :
( بل الرفيق الأعلى .. بل الرفيق الأعلى )
طافت بنا تلك الخواطر في لحظات صفاء حلقت فيها أرواحنا في السماء .
ثم نزلت وصديقي من السماء ، وجنح بنا السؤال حول تلك النفوس التي عشقت من دنياها الإفساد والقتل والتعذيب والإيذاء وسلب الأموال ونشر الكراهية وزرع الأحقاد .
هل سيكون لهؤلاء مكان في الجنة .؟!
إنها حتماً ليست مكاناً مناسباً لمن كانت تلك صفاته .
فالجنة ليس فيها حروب وسجون وإيذاء وإفساد وأحقاد وتداول للأموال .
فماذا يفعلون إذاً هناك .؟!
إنه ليس المكان المناسب لهم بالمرة ، فليس فيها ما كانوا يشتهونه في الدنيا .!
إنها بالنسبة لهم مكاناً مملا لا يتفق وطبيعتهم النفسية .!
أما أنت ياصديقي ، فاطمئن .. ستجد كتباً وأشياء أخرى جميلة مما تشتهيه الأنفس الصافية الرقيقة .
( .. وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .)
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول