صدق من قال : أسمع جعجعة ولا أرى طحناً

المنهزم نفسياً والمنبهر بالآخرين والفاقد الثقة بنفسه يكتفي بالندب وإلقاء اللوم على الآخرين ، ولا يسعى إلى وضع الحلول ومعالجة التخلف ، ولا يقدم البرامج التي تؤدّي إلى النهوض والتقدم ، ولا يفكر بمشاريع علمية وتربوية واقتصادية وصناعية وتكنولوجية .

ينظر لأمته الإسلامية نظرة سوداوية ، وينسب لها التخلف بطريقة ظالمة ماكرة ، وكأنها لا زالت تعيش في العصر الحجري ، وينظر لكل ملتزم متدين أنه متخلف ولا يفكر إلا تفكيرياً بدائياً .

همّهُ تشويه صورة منْ يخالفه في التوجه الفكري ، ثم يخلط الأمور خلطاً عجيباً في أمور غير متناسقة وفي سياقات مختلفة ، ويزيد على ذلك في اختلاق أمور لا أصل لها ليظهر نفسه أنه صاحب فكر متحرر ، وأنه مثقف وناقد ، وفي حقيقة الأمر ما يقدمه لا يمتُّ بصلة للفكر ولا للثقافة ولا للنقد ، ولكنها مجرد جعجاعات وادعاءات فضفاضة .

1- يبدأ الكاتب بمقدمة استعراضية فيقول : ( الفرق بيننا وبينهم أنهم في الغرب الكافر يوصلون الليل بالنهار ويُنفِقون المليارات على الدراسات والأبحاث ).

هل هناك من أبناء الأمة الإسلامية من يرفض ذلك ويدعو إلى ترك العلم والبحث ؟

ولكن هذا الغرب الظالم ماذا فعل ببعض البلاد العربية عندما تقدمت ووصلت إلى مستوى رفيع من النهضة العلمية والصناعية؟ 

وأكتفي بمثال واحد ما فعلوه بالعراق من الدمار وقتل العلماء ونشر الطائفية .

وبالمقابل فإن هذا الغرب الظالم ينادي ليل نهار أنه يجب أن نعمل بكل الوسائل على عدم تقدم البلاد العربية خاصة والإسلامية ، وأن نحجب عنهم كل الوسائل التي تؤدي إلى نهضتهم حتى يبقوا تبعاً لنا في جميع المجالات.

2- وبدل أن يُذَكِّـرَ أبناء أمته بمسؤوليتهم للأخذ بالأسباب والسنن التي أقامها في هذه الحياة للتقدم والنهوض ، وإذا به يوجه الأمور باتجاه آخر لا علاقة له فيما يطرحه فيقول: 

( بينما نحن – خير أُمَّةٍ – متخصصون فقط في تفسير أي مرض أو وباء على مزاجنا بأنهُ إما انتقام إلهي وعقاب مِن الرَّب إذا أصاب “الكُفَّار”، أو ابتلاء وامتحان مِن الرَّب إذا أصابنا نحن الفرقة الناجية ).

ما علاقة ما يعتقده البعض في قناعته في الحكمة من البلاء الذي يقع على الإنسان سواء مؤمناً أو كافراً ، وبين ما يقوله عن إنفاق الغرب المليارات على الدراسات والأبحاث ؟ !!!!!!

سواء أعجبه هذا التفسير للبلاء الذي يقع على الإنسان أو لم يعجبه ، فإنه بالمقابل فإن من قال بهذا التفسير فإنه لا يدعو إلى ترك معالجة الأسباب التي أدت لوقوع ذلك البلاء سواء من كوارث كالفيضانات مثلا أو ما ينتشر من الأمراض ، بل على العكس من ذلك تماما لتفاديها ومعالجتها بكل الوسائل والأسباب المتاحة.

3- ثم يمعن الكاتب في التضليل والتشويه فيقول :

( ولكننا عندما تفشل وصفات الحُجامة الشرعية وشرب بول الإبل لعلاجنا، نهرع إلى علوم ومستشفيات وأطباء الغرب العلماني الكافر، ونتَّخذ منهم أولياء من دون المسلمين، لا بل وممرضات وأطباء تخدير أيضاً، وننسى قتالهم حيث وجدناهم، ونؤجِّل ضرب رقابهم وتخييرهم بين الجزية أو الحرب ) 

أ- نظراً لأن الكاتب قد امتلأ قلبه بالحقد على أبناء أمته لذلك فهو يسعى لتشويههم بكل ما أوتي من اتهامات ينتجها خياله الواسع ، 

ما هي نسبة هؤلاء الذين يقومون بالحجامة ويستعملون أبوال الإبل للأمراض المستعصية ؟؟!!!

لو بحثنا عنهم فإن نسبتهم تكاد لا تذكر ؟

وهل النسبة الغالبة من المسلمين عندما لا تنفع الحجامة وأبوال الإبل في علاجاتهم يلجؤون إلى علوم ومستشفيات الغرب ؟!!

ما هذا التشويه المقزز ؟؟!!

وما علاقة العلوم البحثية والكونية والاكتشافات العلمية بكون هذا الغرب علماني وكافر : هي سنن أقامها الله في هذا الكون من استطاع أن يكتشفها تطوّرَ وتقدم ، ولا تتعلق هذه السنن بإيمان أو كفر ، وإنما هي مجرد أسباب سخرها الله تعالى للمؤمن والكافر على السواء ، ولم يمنعنا ديدننا من الاستفادة من علوم الآخرين وخبراتهم ، وإن كان في الأصل يجب أن تكون لنا الريادة والصدارة في ذلك ، بل إن ديننا الحنيف جعل ذلك من فروض الكفاية التي يجب أن نقوم بها .

ب- ثم يعود الكاتب للتحريف فيقول: ( وننسى قتالهم حيث وجدناهم، ونؤجِّل ضرب رقابهم وتخييرهم بين الجزية أو الحرب ). 

الإسلام دعانا إلى قتال من قاتلنا حيث وجدناهم ، ومدافعة من يعتدي علينا، ولم يأمرنا بتخيير الكفار المسالمين بين الجزية والحرب .

ولكن هذا الكاتب ينسى أنه منذ سقوط الخلافة العثمانية إلى هذا العصر أن هذا الغرب هو الذي يعتدي علينا ، وهو الذي يشنّ الحروب ويقتل ويدمر ، وهو الذي استعمرنا ونهب خيراتنا ، وهو الذي مزقنا إلى دويلات ، وهو الذي زرع الكيان الصهيوني في منطقتنا لينطلق من خلالها لإضعافنا وشنّ الحروب علينا وتقويض أي محاولة تؤدي لنهضتنا وقوتنا ، وهو الذي يسعى لدعم الطائفية المقيتة والأقليات لأجل إضعافنا وإشغال بعضنا ببعض .

4- ثم يستمر الكاتب في الاتهامات الباطلة فيقول :

( هذه هي كبرى المصائب؛ أن يختلط الجهل والفشل والخيبة بالفوقية والعنصرية وكره الآخر في ذات الوقت ثم يقولون : لا نريد أن نتشبه بالكفار؟ )

يتناسى الفوقية التي يدعيها الغرب واستعلائه على الآخرين ونظرته الدونية لهم ، ويتناسى العنصرية البغيضة وكره الآخر عندما تظهر لدى الغرب إذا لم تتحق مصالحه !!!!

أما التشبه بالكفار الذي يعيبه علينا فهو في العقائد الكفرية التي يعتقدونها ، وفي العادات السيئة التي يعتادونها ، وفي التقليد الأعمى لأبشع الأمور التي يقومون بها من العري والإباحية والمجون والعربدة ، والأخلاق البشعة.

وليس التشبه مذموماً في العلم والتقدم والوصول إلى أفضل الوسائل التي ترقى بحياة الإنسانية المادية .

ولكن للأسف الذي فعله البعض من أبناء أمتنا أنهم أخذوا أبشع ما عند الغرب ، وتركوا أفضل ما عندهم ، وكان ينبغي أن يركز الكاتب على هذا إذا كان صادقاً في التغيير الإيجابي والنهوض بأحوال الأمة .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين