علِّمونا فقه حديث

في الصحاح والسنن أن أهل المدينة المنورة سمعوا يوما هدة ، وفي رواية صريخا من الجانب الغربي للمدينة المنورة ، فخاف الناس ، واستنفر الرجال وخرجوا يستطلعون الصريخ؛ فإذا سيدنا أبو القاسم قد استطلع وعاد ، واستقبل طليعتهم وهو عائد قد امتطى فرسا عريّا - أي بدون سرج - ، وعلق قلادة سيفه في عنقه ، أي أنه لم يتريث ريثما يتحزم ويعلق سيفه بحزامه ، وخرج أولاً ، وهو الأول في كل خير ، لم يحسب حساب الخوف وماذايمكن أن يكون خلف الصوت من عدو أو مكروه أو مصيبة ..

كثير كلام الشراح والمفسرين عن هذا الحديث المتفق على صحته عند الشيخين المروي بروايات متكاملة عند غيرهم . ومن أجمل ما ورد كلام الإمام القرطبي قوله :

"هذا الحديث ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع له من جودة ركوب الخيل والشجاعة والشهامة والانتهاض الغائي في الحروب والفروسية وأهوالها ما لم يكن عند أحد من الناس .

وما زلت أتأمل عجبا وانبهارا قول القرطبي " والانتهاض الغائي في الحروب والفروسية وأهوالها .." 

العبارة التي نختصرها في هذا العصر بكلمة " المبادرة " المبادرة الفورية الإيجابية من غير تردد ولا تلبث ولا تريث . خرج النبي صلى الله عليه وسلم مستجيبا للصريخ ليقمع شرا أو يغيث خائفا أو يعين على معروف وعاد وطليعة الأخيار الشجعان من الناس ما زالوا في ثقلهم يتمايلون ..

يذكرك هذا بقول فارس الفرسان سيد علي " كنا إذا حمي الوطيس - أي اشتد أوار الحرب - اتقينا برسول الله - أي اختبأنا خلفه - فلا يكون أحد منا أقرب إلى العدو منه .

يمر على الأمة زمن طويل والتعليم المختزل فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيء إلى الإسلام ويلحق الذلة والمسكنة بالمسلمين .

يعلمنا بعض الناس بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة . وإلى الاستغفار وإلى الذكر هكذا على إطلاق بلا تخصيص ولا استدراك ولا استثناء ولا تبعيض ؛ ولكننا نجده هنا أمام صريخ في غرب المدينة لا يفزع إلى الصلاة ، والصلاة والذكر دائما في قلب المسلم وعلى لسانه ، وإنما يفزع إلى فرس عري ليست له ، بل لأحد أصحابه فيمتطيها دون سرج ، ويثب عليها دون ركاب ، ويخرج من بيته بلا حزام انتهاضا منه لما يقتضيه الموقف من مبادرة عملية إيجابية تستصحب ذكر الله على كل حال ..

خلط الأمور على المسلمين في التربية والتنشئة والتعليم كما حصل عبر قرون مراض من تاريخ هذه الأمة فيه إساءة للإسلام وفيه تدمير لحياة المسلمين . وهذا الذي ندفع ضريبته كل هذه السنيين .

الله سبحانه وتعالى يقول : " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون " فتناسى أقوام حق اللقاء ، وحق الثبات وتعلقوا بالذكر ، وأن يوجهوا المعضلات بتلاوة البخاري أو الأربعين من سورة ياسين أو أن يدفعوا الخوف عن أنفسهم بأية الحفظ آية الكرسي أو بإمساك المسبحة الألفية لترييض اللسان على ألفاظ يسمونها أذكارا ، وينسون أو يتناسون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سمع الصريخ أو الهدة من غربي المدينة على اختلاف الروايات لم يجلس للذكر والدعاء كما يفعل عند الكسوف والخسوف مثلا ، وإنما انتهض ، وأعود لأقف عند أفق كلمة انتهض، انتهض على عجل ، بلا ريث ولا تردد ولا إثقال ليواجه الخطر على فرس عري وحيدا صلى الله عليه وسلم وليعود لأمته بالأمان : لن تراعوا ..أي لن تخافوا ..

وكيف يخاف من جعل أبا القاسم قدوة وأسوة وإماما وانتهض مثل انتهاضه لمواجهة الملمات والتصدي للأزمات بالجهد القاصد واللسان الذاكر والقلب والحاضر ..

إذا اشتعل الحريق في طرف دارك أو دار جارك فافزع إلى خرطوم الماء وأنت تذكر الله كثيرا وترجوه .

يا علماء الإسلام إن شباب الأمة اليوم بحاجة إلى أن يتعلموا هذا من منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم . بحاجة إلى يعلموا أن هؤلاء الذين جعلوا الكتاب والسنة عضين إنما هم دجالون ممخرقون محتالون ..

كان عمر يأمر قادته أن يقطعوا الركاب عن خيل الجهاد والركاب هو شبه الدرجة التي يرتفع الفارس عليها ليرقى ظهر الفرس المرتفع . ويوصي فرسان المسلمين : وانزوا على الخيل نزوا . أي ثبوا وثبا قويا لتكونوا حاضرين عند كل هيعة ..

أو تذكرون حديث رسول الله عن المسلم : كلما سمع هيعة طار إليها . وعلى كلمة طار كان جل الكلام

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين