الهجرة وحاضر المسلمين (14- 15)

بين الماضي والحاضر

ألا وإنه قد غبر زمان مديد مثقل بجراحه، مفرِغ في شأوه ، فأنّى للمسلمين من كدماته، وقد تشحَّطتْ كواهلُهم على غابر فلوله، يستقبلون زماناً جديداً ، أطَّت آفاقه بمعالم وأنجاد ، تنبلج زاحفة على متنه، سافره على كرِّه ، مهما اتَّسع حاضر المسلمين ، وتنوعت طعومه، وانتشرت مواطنهم في أقاصي الأرض، فعسى أن يكون لهم فيه مدَّرك وطيد، ومتنزَّل عتيد، وإنَّ الأمل يحدو بنا أن نجتزئ قسمات ، ونعقد على مراتع الاعتداد صفقات ، فرحاً بفضل الله تعالى ، مهما تواترت قوافل الهجرة عبر الفجاج، واطَّردت إلى نهوض ، فإن ذلك آية عناية الله تعالى بهم خاصَّة ، وبالمسلمين من حولهم عامة، ورعايته لدينه وكتابه:[قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ] {يونس:58} .وإن ذلك إرهاصات تمكين.

يناجزون عدوهم ويحملون معالم حضارتهم

مع جهاد أفغانستان

إن انطلاقة أفغانستان أعواماً حافلة في جهادها المبارك ، مثابرةً واعتداداً ضد الشيوعيين السوفييت ، وإجهاض مخططات العدو على امتداد أقاليمها وجبالها العالية، ثم انتصارها النهائي ـ على الرغم من الدخَن الذي حدث بعد ذلك، واستثمار أمريكا له ـ كان هذا الجهاد السبب الأَمْضِى لسقوط الاتحاد السوفيتي ـ إحدى القوتين العظميين في تلك الأيام ـ مما مهد السبيل أيضاً لسقوط المعسكر الشرقي برمته، واندثار آفاقه الشاسعة.

المنحنى الإسلامي نحو الصعود:

وإن قيام دولة البوسنة والهرسك مستقلة، في قلب أوربا، بعد الحرب العاتية التي شُنَّت ضد المسلمين الأوروبيين، ممثَّلة فيهم، وبالرغم من انتقاص أطرافها وسلب معظم أجزائها للدول المجاورة ـ بمكيدة من أمريكا والغرب وما يسمى منظمة الأمم المتحدة ـ أسفر عن معنى عميق ونافذ في خط سير المنحنى الإسلامي نحو الصعود.

كما وإن ملاحم الشيشان ضد الروس تؤوب نحو هذا الفلَج، وتصب في الغدير ذاته.

قد مهد لسقوطها من غير ما رجعة

وإن غرق أمريكا في لجج المقاومة العراقية، ذات النضارة الإسلامية الفتية، والإصرار الإيماني المتنامي في أعماق المسلمين والجهاد المدوي الضارب في أعماق التاريخ، والماضي إلى يوم القيامة ـ كما نص على ذلك الحديث ـ قد مهَّد لسقوطها إلى غير ما رجعة ، وحطم ما بقي لديها من ركائز خاوية، قد كانت واعدة عند المغترين بقوتها ، الغافلين عن ضعفها ، وتهتكها داخلياً وخارجياً . على أن انهيارها في عمر التاريخ ليس بالأمر البعيد.

واشتداد ضربات الحركات الجهادية

وإن اشتداد ضربات الحركات الجهادية في كل مكان ، أنجب عن بداية متواضعة ـ لكنها مُحادّة ـ لعودة هيبة المسلمين السابقة إذ بقيت مسيطرة منذ قيام الإسلام ؛ ألفاً ومائتي عام، على أقاصي الأرض.

حتى يكون النصر حليفهم

وإن مناداة الشعوب المسلمة في شتى ديارها بلزوم الحكم بكتاب الله تعالى ، ونبذ الشرائع المخزية ، التي أحرقت كل نفَس لنا في التقدُّم والرقي ، كما وإن ارتفاع أعداد المتخصصين من المسلمين في التخصُّصات العلمية النافذة ، وفي سائر أنواع التخصص ، إذ يثبت أقدامهم ، عبر الزوابع العاصفة، كلاهما مَظْهر عنيد، وإرهاص حميد، في نسبية الخِيَرة ، التي ربما تحمل المسلمين على جماع كلمة ، بها يناجزون عدوهم، ويحملون معالم حضارتهم، حتى يكون النصر حليفهم بإذن الله تعالى ، وهو المآل الذي يؤول إليه العالَم.[كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ] {المجادلة:21}[إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ(51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ(52) ]. {غافر}.

[وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ(171) إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنْصُورُونَ(172) ]. {الصَّفات}. 

الحلقة الثالثة عشرة هنا 

======

(1) المرجع السابق ص467. 

(2) انظر البيضاوي والخازن من مجمع التفاسير: ج2ص146.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين