أبناء وبنون

 

تتنوع صيغ الجمع في القرآن الكريم لدلالات ؛ وهو مايكشف بجلاء دقة استعمال القرآن الكريم للمفردات والتفريق بينها في السياق..

فنحن نعرف أن( ابن ) تجمع جمعين ، جمع تكسير ( أبناء) وجمع مذكر سالم ( بنون)

وقد ورد الجمعان معا في قوله تعالى ( (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ )

[سورة النور 31]

فقال (أبنائهن أو أبناء بعولتهن) ثم عدل من ذلك إلى قوله ( أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن)

 

وهنا يستوقفنا السؤال والتدبر عن سبب ذلك! ...

والقرآن مملوء بكنوز المعرفة والعلم والبيان يشد الأذهان إلى روعته ودقة الاستعمال...

 

وهنا تفصح الدلالة الصرفية عن أن جمع أبناء ورد على صيغة أفعال وهي من صيغ القلة في جموع التكسير ..

ولما كان أبناؤهن وأبناء بعولتهن أقل - دون شك - من بني الإخوة والأخوات ؛ لكثرتهم ولتعدد الجهة ( أشقاء ولأب ولأم)

فرق بينها القرآن في الاستعمال في هذا المقام، للدقة والإحكام ، ودقائق القرآن تكمن في اختياراته في الاستعمال..

وإلى نحو هذا أشار الإمام الآلوسي من المفسرين، وفاضل السامرائي و حسن طَبَل من المحدثين في كتابه ( أسلوب الالتفات في البلاغة القرآنية)..

 

 

ولكن يستوقفنا أيضا آية الأحزاب في قوله تعالى

(لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ۗ وَاتَّقِينَ اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا)

( اﻷحزاب 55)

فقد ذكر هنا لفظ ( أبناء إخوانهن وأبناء أخواتهن)

ولم يقل: بني إخوانهن كما هو الحال في سورة النور...!

وذلك - والله أعلم بأسرار كتابه ودقائق بيانه - أن الخطاب هنا في سورة الأحزاب لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم- وهن محددات معدودات ، قياسا بعموم المؤمنات الوارد ذكرهن في سورة النور ، فلكل مقام مقال ودقة الاختيار..

إضافة إلى مزيد خصوصية لبيت النبوة أن يأخذن أنفسهن بالعزيمة أكثر من غيرهن في التقليل من الظهور على المحارم ، فكانت صيغة التقليل دون غيرها في هذا المقام ..

والله أعلم وأحكم ..

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين