الهجرة وحاضر المسلمين (12- 15)

ما ورد في شأن المهاجر مجاهداً كان أم غيره

وهكذا فبعد أن ألقينا نظرة سديمية على تقلبات الناس في شؤون الحياة ، ونفاذ قدر الله جل وعلا في عباده ، يتراءى أن المهاجر في سبيل الله ، أو المهاجر المجاهد ، قد فاز كل منهما ، بالدرجات العالية الرفيعة، واستَناطا بمعاقد العز والكرامة، واستروَحا بنفحات العناية الربانية، والرعاية الغيبية، في الدنيا والآخرة، وكان لهما قدم السبق في نوال أكناف السعادة في كلٍ، وإن كان الثاني منهما أعني من هاجر وجاهد قد حاز فضيلة أسمى.

قال تعالى:[ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ] {النحل:110}.

وقال تعالى أيضاً:[فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ] {آل عمران:195}.وقد جاء في الحديث الذي أخرجه البزار والحاكم، عن أبي سعيد الخدري  رضي الله عنه  عن النبيِّ  صلى الله عليه وسلم  أنه قال: (إنَّ للمهاجرين منابر من ذهب، يجلسون عليها يوم القيامة، قد أَمِنوا من الفزع)(1).

وقال تعالى أيضاً في بيان فَضْل من هاجر وجاهد:[أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ(19) الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ(20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ(21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ(22) ]. {التوبة}.

قال العلامة الألوسي عند قوله تعالى :[ وَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ].أي: المختصون بالفوز العظيم أو بالفوز المطلق ، كأن فوز من عداهم ليس بفوز بالنسبة إلى فوزهم(2).

أين منازل الهجرة والجهاد

كما جاء أيضاً في بيان رفعة منزلتهما قوله  صلى الله عليه وسلم :(عليك بالهجرة ، فإنه لا مِثْل لها ، عليك بالجهاد، فإنه لا مثل له...)(3).

ثم إنهما متلازمان متجاوران ، وقد أبان عن ذلك قوله  صلى الله عليه وسلم :( إن الهجرة لا تنقطع ما دام الجهاد)(4).

الحلقة الحادية عشرة هنا

 ======-

(1) السيوطي في الجامع الصغير، رقم (2393) وقد رمز له بالصحة.

(2) روح المعاني :ج10،ص69.

(3) هو جزء من حديث رواه الطبراني  كما في  الجامع الصغير، وقد رمز له السيوطي بالحُسْن.

(4) رواه الإمام أحمد ، كما في الجامع الصغير، وقد رمز له السيوطي بالصحة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين