الهجرة وحاضر المسلمين (11- 15)

وقوع العذاب على الكافر في الدنيا

بل إنَّ عدداً من الآيات قد أعثرت عن وقوع العذاب على الكافر في الدنيا، كيما يرجع، قال تعالى:[وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ العَذَابِ الأَدْنَى دُونَ العَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ] {السجدة:21}.ممَّا قد أشرت إليه في غير هذا الموضع من مناسباته.

وقال تعالى:[ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ المِيعَادَ] {الرعد:31}والقارعة هي الرزيّة، أو النازلة والداهية التي تقرع قلب صاحبها، وهي أنواع البلايا والمصائب، مما نراه ماثلاً في ديار الكفر بشكل يفوق بكثير ما يقع في ديار المسلمين ، من الأعاصير المدمرة، التي تتهافت لها سقوف المنازل وتتصدع الأبنية ، وتتهاوى من جرائها أسلاك الكهرباء، والهاتف، وفيضانات نهر الميسيسبي التي تكلفهم خسائر سنوية تقدر بملايين الدولارات ،والزلازل النكراء التي تُدمدم عليهم من جُرُف المحيط الهادئ الممتد على الساحل الغربي لأمريكا، وغير ذلك من انتشار الأمراض المعضلة نتيجة اقترافهم الفواحش، والشذوذ الجنسي، كالإيدز أو الناتجة عن فساد البيئة كالزراعة الهرمونية، أو انتشار الأمطار الحمضية عبر الأجواء الشاسعة. 

ثم منه ما يكون مستنزفاً من مفرزات الحياة الاجتماعية:

ثم من ألوان العذاب ما يكون مستنزَفاً من مفرزات الحياة الاجتماعية ، كأنواع الكآبة، وضغوط الكبت والمقت، إذ صَدَر كلٌ من وهْج التفكك الأسري وانعدام السكن النفسي بين الزوجين ، لاعتمادهم أسلوب قضاء الوطر مع العشيقات، مما يجعل الاستفراغ الغريزي في جوع مستمر، وقلق واضطراب، وتلفُّت وتحسُّر ، علماً أن الإشباع الحقيقي للشهوة وبلوغ الراحة الغريزية العظمى لا يتأتى إلا في نظام الزواج، الذي جعله الله تعالى سُنَّة بين خلقه: [أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ] {الملك:14}.

أنَّى لأحد أن يُرَعْرِع لهم قطوف السعادة؟!.

كل ذلك يؤكد ما قد استَفْرهوا مما قد أنزل فيهم من قوله عزَّ وجل: [لَهُمْ عَذَابٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآَخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ وَاقٍ] {الرعد:34}.فأنَّى لأحد أن يُرَعرع لهم قُطوف السعادة بعد أن حكى القرآن عنهم هذا بمالا يحتمل التأويل.

عذاباً دون ذلك:

وانظر إلى قوله تعالى:[وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ] {الطُّور:47}.أي: إن لهم عذاباً دون عذاب الآخرة، وهو عذاب الدنيا.

وإليك قوله تعالى أيضاً:[فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ] {الذاريات:59}.أي: إنَّ للذين ظلموا أنفسهم ـ بانصرافهم عن الله وعما خلقوا من أجله وهو العبادة والالتزام بما شرع ـ نصيباً من العذاب ، مثل نصيب نظرائهم من الأمم السابقة، التي استوفت جزاءها، بإعراضها عن الله تعالى ، فلا يطلبوا أن أُعجِّل بإنزاله بساحتهم. هذا أحد تأويلين، والثاني: أن ذلك يوم القيامة(1).

تحريم الطيبات على اليهود:

وقال تعالى في شأن اليهود:[فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا] {النساء:160}.أي: بسبب ظلم عظيم خارج عن نطاق الأشياء والنظائر صادر عن اليهود(2)، حرَّمنا عليهم أنواعاً من الطيبات، أما القدماء منهم فمعلوم ما حرمه الله عليهم، كما ذكر في كتابه، وأما من جاء بعدهم إلى قيام الساعة فقد حرم الله عليهم طيبات تحريم منع، لا تحريم تشريع، أي: منع أفرادهم من ممارسة ما يستروحون به من الطيبات بحيث لا يستطيعون مقارفتها، مع ما أوتوا من القدرة على ذلك، كلٌ حسب حالته، وبمقدار ميله لنوع معين من هذه الطيبات، كمن يمتنع عما يشتهيه من بعض أنواع الطعام، وإلا أدى به الأمر إلى الهلاك ، وكَمَنْ يُحْرم من الاستمتاع بماله المستحكِم في البنوك والشركات العابرة للقارات، ويُبتلى بالرعب القاتل من تسيُّبه من بين يديه، فلا يستفيد منه في أبسط ما تقوم به معيشته، ثم يموت حسرة وكمداً .

فهذا العذاب النازل في من كفر بالله أمر ملاحظ، وتشحطُّات البلايا والزعازع التي تصيبهم شديدة ،[وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ] {هود:102}.

إذا غلبَ أصحاب المعاصي:

نعم قد يقع شيء من مثيله ـ على نُدرة ـ في البلاد الإسلامية ، وذلك إذا غلب أصحاب المعاصي، وقلَّت نسمات الخير التي يُستدفع بها البلاء، ولم تتنسَّم السماء دعاء الصالحين صباحَ مساء، كما حدث في زلزال تسونامي ، ومده البحري .

هذا وقد قال صلى الله عليه وسلم :( إن الله تعالى إذا أنزل سطَواته على أهل نقمته ، فوافت آجالَ قوم صالحين، فأُهلكوا بهلاكهم ، ثم يُبعَثون على نيَّاتهم وأعمالهم)( ).

انبساط ظاهري

فلا يغترَّنَّ بعض الغافلين، بما أوتي الغرب من الانبساط الظاهري في الدنيا، وتحكمه باقتصاديات العالم، ونهبه لثرواته، إذ لو كانت ديار الغرب تَتَمَلمل على أعتاب الراحة والسعادة، لما كانت نسبة الانتحار أعلى بكثير من ضرباتها عند الشعوب الأخرى من غير المسلمين.

الانتحار عندهم منعدم:

أما المسلمون فالانتحار عندهم منعدم ـ والحمد لله ـ إلا ما يتراءى من بعض الأفراد ، الذين غبرت بهم ساحة الجهالات، أن يشابهوا الكفار في سلوكهم ، بل وفي معتقداتهم، وقد كان تَنبُّتهم قبل استشراء اليقظة الإسلامية المعاصرة.

نسبة الانتحار أعلى:

بل إن نسبة الانتحار عند كبار الأغنياء من الغربيين أعلى من نسبتها في غيرهم. ومَن تطلَّبَ مرامي التصديق له ، فليرجع إلى ما تنشره الصحف والمجلات ويتردد في وسائل الإعلام، عن المآسي العظام التي تفتك بين ظهرانيهم.

لا يشعرون بالسعادة:

المهم أنهم لا يشعرون بالسعادة والحياة الطيبة، مهما انفردوا في متاع الدنيا، وتقلبوا في أعطافه:[لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي البِلَادِ(196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المِهَادُ(197) ]. {آل عمران}. 

تُبرح به الهموم والأصفاد

فقد وصف الله تعالى هذا المتاع الذي يرتادونه بالقلة، من حيث هو بُلْغة فناء، ومَعْثر زوال، تُبرِّح به الهموم والأصفاد من هنا وهناك، فيسلبون معه الهناءة والراحة.

ليعذبهم بها في الحياة الدنيا:

وهكذا فالسعادة ليست بكثرة المال والمتاع، إذ قال تعالى في المنافقين:[فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ] {التوبة:55}.

قال الألوسي: ( وتعذيبهم بالأموال والأولاد في الدنيا لما أنهم يُكابدون بجمعها وحفظها المتاعب، ويقاسون فيها الشدائد والمصائب، وليس عندهم من الاعتقاد بثواب الله تعالى ما يهوِّن عليهم ما يجدونه)(3). أقول: وهذا المعنى ملاحَظ في الكافرين بجامع عدم الاعتقاد بالثواب والرضى بالقضاء الذي يحظى به المؤمن ، فغِرَّتُهم من دون ما أوتوا تَهتبلُهم وتقضُّ مضاجعهم.

المعيشة الضنك:

وهذه هي المعيشة الضنك التي وردت في قوله تعالى:[وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى] {طه:124} والمعيشة الضنك هي الضيِّقة الشديدة ، وليس هذا خاصاً بالأمور الاقتصادية، بل يجرُّ ذيله على العلاقات الاجتماعية، والأزمات النفسية، وكل ما يتعلق بمسالك الحياة. فالضنك يعني استلاب ألوان من الراحة والهدوء والطمأنينة والأمل وسلامة الأبدان ، فضلاً عن خواء أرواحهم بنزيف الكفر بالله تعالى .

فكأنما خرَّ من السماء :

إذ قد سلبوا التألقات الروحيَّة والأَخذات القلبيَّة، التي يشعر بها المؤمنون، وقد أشار القرآن إلى هذا، فقد قال تعالى:[حُنَفَاءَ للهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ] {الحج:31}.

فتناطُحهم مع حذافير السعادة، التي تتماوج أمامهم، كمثل الذي يهوي من أعالي السماء، منشغلاً بما اعتراه ، عما يتراءى أمام ناظريه، وهو ينتظر مصيره، بأن تتخطفه الطير، أو تهوي به الريح في جنبات المهامه البعيدة.

استقرار سليب

هذا يعني أنه فاقد للاستقرار النفسي الذي ينعم به المؤمن، والاستقرار الذي يتردد في صدر الكافر استقرار نسبي سليب. أما الاستقرار الآخر من النوع الفارِه العتيد فقد اختص به المؤمن، كما أسلفنا، ويظهر هذا في مواقف كثيرة.

منها: حب المسلم الشهادة في سبيل الله تعالى وخوف المشرك من الموت ـ وخصوصاً اليهود ـ وتمسكه بالحياة:[وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ العَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ] {البقرة:96}.

إن سعادة الإيمان بالأقدار ، وطمأنينة الصلة بالله لا يعرفها إلا المسلمون.

ومهما اختلفت نظراتهم إلى الموت ، فإنهم لا تتولَّد لديهم الرغبة في إنهاء حياتهم، بالشكل الذي ينفرد به المسلمون، ومعلوم أن الانتحار ، المتفشِّي بين ظهرانيهم ـ خصوصاً النصارى ـ ليس من هذا القبيل.

ومنها: استسلامهم لليأس إبان استيلاء الهموم والنكبات عليهم. على أن استنباط باقي المواقف قد لاح مما مَرَّ قريباً.

* * * 

الأخذ الجماعي للذين مكروا السيئات

هذه الأنماط التي ذكرناها هي على مستوى الأفراد ، أما على مستوى الأخذ الجماعي فقد تمادى في كتاب الله تعالى ذكر كثير منها، أثناء الحديث على هلاك الأمم السابقة ، وما حلَّ بها نتيجة كفرها بالله.

على أن ما سيُذكر قد يعتريه التداخل أو يستنفِدُ بحذافيره مَثلاً لكل من المستويين : الفردي والجماعي.

ما يتردد في أفنيتهم:

وهاك هذا البيان ـ نَهْجاً ناشطاً ، ومثَلاً نافذاً ، لما يتردَّد في أفنيتهم، وما يعصف في أنديتهم ـ في قوله تعالى:[أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ(45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ(46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ(47) ]. {النحل}..

فقد تراءى في هذه الآيات من مظاهر الأخذ الوجوه التالية:

1 ـ الخسف: وهو يعني اضطرام الأرض ، وذهابهم فيها، ونشوء الزلازل والبراكين، والفيضانات الجارفة، تدفع التربة والصخور ، فتدفن قرى بأكملها، والانهيارات الأرضية، وهذه كلها كثيراً ما يُتطارَح الحديث عنها، ويتردَّد ذكرها في نشرات الأخبار.

2 ـ مجيء العذاب بَغْتة، يُطارحهم آفاته دفعة واحدة، ويشمل ما لو كان من السماء ، كما فُعل بالأقوام الهالكين، أو من الأرض كالمد البحري غير الطبيعي ، وما شابه.

3 ـ تلوُّم العذاب لهم أثناء تقلبهم في مسترسَل معاشهم، من مثل خطر الإشعاعات النووية، وانتشار ثاني أكسيد الكربون، وتفاقم الأمطار الحمضية، التي تحرق الغابات ، وتأتي على مظاهر الحياة الطبيعية ، مما يولد الاختناقات في الأجواء ، والأمراض المعضلة ، مما هو مشاهد.

4 ـ اجتياح الخوف لهم بآفات تحدث على دفعات ، إذ يستشري التخوف في جنباتهم، أو التنقص من قطاعاتهم ، من مثل الرياح العاتية والصواعق ، وغرق السفن ، واصطدام القطارات وغيرها، وكالأمراض المعضلة أيضاً ، وكتردي الاقتصاد، وتهدم البنية التحتية ، أو تدافعها شيئاً فشيئاً.

بعيداً عن طنطنة الغافلين المبهورين:

ومن تتبع انتشار الأمراض المعضلة نفسية أو جسمية والخطوط البيانية لاقتصاديات دول الغرب الناشبة أظفارها في ديار المسلمين على مدى السنين المتعاقبة ، مثابراً ضمن إحصائيات دقيقة ، يدرك فحوى ما ذكر الله في كتابه ، وأن أخذ الله تعالى لهم، بما كسبت أيديهم يعتور هدآتهم أنّى تلفتوا ، بعيداً عن طنطنة الغافلين المبهورين بهم، وجعجعة الإعلام الكاذب.

على أن بعضاً من هذه المظاهر يجر ذيله على حكومات الشعوب الإسلامية ، من حيث شاركتهم فجورهم ، في ابتعادها عن الحكم بما أنزل الله جل وعلا.

عجز دائم:

وعلى سبيل المثال فمن يتتبَّع ميزانية الولايات المتحدة منذ أكثر من ثلاثين عاماً آخر القرن الميلادي الماضي يجد مصداق ذلك ، أنها مصابة بعجز دائم فاضح، حتى إنها لم تكن تسدد ديونها لما يسمى منظمة الأمم المتحدة في كثير من الأحيان.

نحو الهاوية

ثم إن أي فرد من الأمريكيين قد أوتي حظاً من الفهم لتقلبات ما يجري لا ينعم باله، بل يُتسهَّد قلَقُه من انحدارها نحو الهاوية في كافة شؤونها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ثم استحكام دفعات اليأس في فجعاتهم.

المراوحة بين الحسنة والسيئة:

لقد جرت سنة الله في عباده أن تتوالى آياته ابتلاء لهم بين الحسنة والسيئة ، والشدة والرخاء ، والقبض والبسط، والعطاء والمنع ، تنويهاً ألاّ يماطلوا على دركات العصيان، والتمادي في الكفر، وتذكيراً لهم أن يراجعوا أنفسهم، وحتى يكون للتبشير والإنذار الذي جاء على ألسنة الأنبياء له إيقاعه العملي، واستنجازه الفعلي، وبذلك تقوم الحجة بينة ظاهرة؛ قال تعالى في بيان ذلك:[وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ(94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(95) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ(97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ(98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الخَاسِرُونَ(99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ(100) تِلْكَ القُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى قُلُوبِ الكَافِرِينَ(101) وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ(102) ]. {الأعراف}..

وبركات القرى الصالحة

أمَا وقد عُلم من هذا النصِّ الكريم أيضاً أن التقوى لها الثمرات اليانعة في الحياة ، والخير المنتظم يتغشّى أهل الطاعة، وأن القرى الصالحة تُفتح لهم بركات من السماء والأرض ، ويُستأنس لهذا بما جاء في بعض الأخبار: ( إن الله تعالى يقول: لو أن عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل، وأطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولم أسمعهم صوت الرعد)(4).

والبركة من معانيها: النَّماء والزيادة والسعادة، وبذا يتَّسع معناها لينتظم الأمور المادية والمعنوية، وذلك لا يحصل كاملاً إلا للمؤمن، وتنخرم نهزاته عن غيره حسيراً مهما أوتي من المباهج استدراجاً ، نسأل الله تعالى السلامة بفضله ومنِّه آمين.

الحلقة العاشرة هنا

=======-

(1) روح المعاني : ج27،ص24. 

(2) المرجع السابق : ج6ص13. 

(3) رواه البيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله عنها . الجامع الصغير . وقد رمز له السيوطي بالصحة. 

(4) روح المعاني : ج10ص117. 

(5) الخازن من مجمع التفاسير: ج3،ص477.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين