لحم مسموم

مما يحصل تتداوله على ألسنة بعض طلبة العلم وعلى ألسنة كثير من الناس عبارة "لحوم العلماء مسمومة" من خلال استعمال مطلق للعبارة والمقولة دون تفصيل لها فيحدث الإشكال واللبس في فهمها وتطبيقها.

والعبارة تعني ببساطة ان أذى العلماء والوقوع في الافتراء عليهم وغيبتهم سمٌّ يتجرعه الإنسان بأكل لحوم العلماء.

وممن نقل عنه استعمال هذه العبارة هو الإمام ابن عساكر رحمه الله في (تبيين كذب المفتري 29_ 30 ) حيث قال: 

"واعلم يا أخي وفقنا الله وإيَّاك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حقَّ تقاته أن لحوم العلماء رحمة الله عليهم مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم... والارتكاب لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاغتياب وسبّ الأموات جسيم، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أمرهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور: 63]" انتهى.

وإذا نظرنا لكلام ابن عساكر وجدناه صحيحا جدا لكن فهم العبارة واستعمالها من البعض ليس صحيحا وحسب البيان التالي:

أولا: لماذا خصَّ ابن عساكر العلماء بذلك حيث الوقيعة بحقِّ كل مسلم محظور ومحرم وليس بحق العلماء فقط!!!

وهذا التخصيص للعلماء لا مفهوم له - كما يعبر أهل أصول الفقه - والمفهوم هو أن نقول: إن لحوم غير العلماء غير مسمومة وهذا غير صحيح، فلحم كل مسلم عند الوقيعة مسموم عالما كان أو جاهلا.

ثانيا: ومع عدم تخصيص العلماء بأن لحومهم مسمومة إذا أوذوا وافتري عليهم، بل الحرمة عامة في كل مسلم، فلا يمنع ذلك أن يكون الإثم واللحم المسموم في العالم العامل أشد لمنزلته في العلم و التبليغ والدعوة.

ثالثا: من الآثار السيئة لعدم الدقة في هذا فهم عبارة ابن عساكر أن وقع الخطأ في استعمالها من جهتين:

* جهة بعض طلبة العلم حيث تستعمل عند بعضهم في رد كل نقد موجه ضدهم وإن كان صحيحا تحت مبرر أن لحومهم مسمومة!!!

* وجهة عامة المسلمين إذ لا يفرقون بأن اللحم المسموم يكون عند الأذى والافتراء على العلماء، أما فيما عدا ذلك فالعلماء محتاجون للنصيحة والتنبيه حالهم في ذلك حال أي فرد من المسلمين.

والخلاصة:

إن لحم المسلم مسموم، عالما كان أو غير عالم، في حال كان هناك غيبة أو قول زور أو بهتان بحقهم، لكن الإثم في مقام العالم العامل المعلم للناس أشد لمنزلته في العلم والدين وتعليم الخير.

وأما النصيحة فيحتاجها كل مسلم عالمًا كان أو غير عالم،

وحاجة العالم للنصيحة أشد لأنه في مقام القدوة للناس.

فالغيبة وقول الزور والبهتان حرام في حقِّ كل مسلم وهي في حق العالم أشد ...

والنصيحة واجبة في حقِّ كل مسلم وهي في حق العالم أوكد ...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين