وجيز التفسير : { ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ..}

والغل : الحقد والضغينة والبغض . وأصله حرارة في الصدر يجدها الظمآن فإذا ارتوى ذهبت ، ولذلك يقول صاحب الغل إذا اشتفى ، شفيت غليلي . وتوسَّع المفسرون في المعنى وقالوا : ومن الغل: التنقص . والتنقص يبدأ شعورا نفسيا أن يشعر أنه فوق الناس بماله أو نسبه أو مكانته أو علمه ، ثم يستجره هذا الشعور إلى الحديث عن الناس بلغة الانتقاص والسلب وقد يخرج هذا إلى الاتهام والسب والتحقير ..

والغل والحقد والضغينة موضعها القلب ، ولذا قال : ولا تجعل في قلوبنا غلا ..والتنكير في قوله " غلا " هو تنكير التحقير والتصغير والتقليل ، كما يقول علماء البلاغة ؛ أي نقِّ قلوبنا من الغل كثيره وقليله ، كبيره وصغيره ، عظيمه وحقيره ؛ فالقلوب البيضاء النقية الصافية لا تحمل غلا ولا حقدا ولا ضغينة ، وهي كالماء الكثير المتدفق الصافي ، لا يحمل الخبث أصلا ، وكل الكدورات التي تعترضه يغلب عليها بكونه الماء الطَّهور .

وقوله تعالى : { ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا } يفيد أنَّ غل القلوب أمر شنيع قبيح مستكره ، وأنه عندما يكون بحق الذين آمنوا ممن سبقنا في الإيمان والإسلام وممن صحبنا وصحبناه ، وعايشنا وعايشناه ‘ وآكلنا وآكلناه ، وسامرنا وسامرناه ، وناجانا وناجيناه يكون أشنع وأقبح وأشد كراهية .

وفي الحديث عن قلب المؤمن الثابت الرافض للفتن أنه : أبيض نقي مثل الصفاة لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض . والصفاة الصخرة الملساء .

الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته الدعوية كلها لم يصدر في تعامله مع أحد من الناس لا في أيام الضعف ولا في أيام القوة عن حقد وكراهية وضغينة وإرادة انتقام أو حرص عليه أو سعي له ، بل كانت صفحة صدره الشريف دائما بيضاء نقية مستعدة للبناء على الساعة التي هو فيها ونسيان الماضي بكل مآسيه .

دعاؤنا ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ، لا يستجر مفهوم المخالفة بأن يستبيح لنفسه أن يجعل قلبه مستودع فحم للسخيمة ضد كل من يظن فيهم المخالفة له في عقيدة أو رأي أو موقف ؛ فيجعل كل هذا جواز سفر لعبور الحقد إلى قلبه ، فيحقد على هذا لأنه فاسق ، وعلى ذاك لأنه مبتدع ، وعلى ثالث لأنه خالفه في طريقة " أكل البطيخ " على ما نقول في بلاد الشام .

الحقد في القلوب ينعكس على الوجوه فترى وجوه الحاقدين والعياذ بالله " كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما " . ونصاعة القلوب وسلامتها ونقاؤها تشرق على الوجوه فتلألأ نورا ورضوانا ومحبة ..

اللهمَّ طهِّر قلوبنا من النفاق ومن الغل والحقد والضغينة والبغضاء والكبر والعجب والحسد اللهم عمّر قلوبنا بالحب والرضا واجعلنا من عبادك المخلَصين ..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين