السؤال الصعب 

تقع كثير من الدول والمؤسَّسات والأفراد في فخ فقدان المصداقية والمشروعية حين تقدم مشاريع نظرية غير قابلة للتطبيق، أو أنها مشاريع تجيب عن أسئلة: من نحن ولماذا وماذا نريد؟ لكنها لا تجيب عن سؤال الكيف!!!! .

إن العظمة الحقيقية للاسلام لا تكمن في عظمة الأفكار والمفاهيم والقناعات والتصورات التي جاء بها فقط ، بل العظمة وسر القبول بها واعتناقها يكمن في قابلية هذه المفاهيم والأفكار أن تتحول إلى مشاريع تطبيقية وهياكل عملية ومؤسسات تنفيذية، فأحكام الاسلام تتَّسم بالمثالية والواقعية معًا، فهي تريد أن ترتقي بالانسان غاية الارتقاء دون أن تتجاهل وتتجاوز قدراته وطاقاته وواقعه ونزعاته وقوته وضعفه.

حرم الإسلام الزنا وحث على الزواج كفكرة عامة وأصل نظري، وشرح الكيف في عون الله للناكح يريد العفاف، وفضيلة يسر المهور، وتزويج المرضي خلقا ودينا، والتبكير في الزواج، وجعله من حقوق الأبناء على الآباء أو على الدولة حال العجز والحاجة للإعفاف ...الخ

وقد بحث النبي صلى الله عليه وسلم عن مكان ليكوِّن دولة له لتكون مثالا حيًّا لمجتمع مسلم يدعو إليه ويبشِّر به فكان ذلك، وكان الكيف في بناء مسجد، ومؤاخاة، ودستور يحمي المواطنين والأديان، وجهاد يحمي، وسوق يبنى، وزكاة تدفع، وعلاقات دولية تتطور ...الخ.

إنَّ الجواب عن سؤال الكيف هو المعيار الحقيقي لنجاح وقبول كل تنظير أو فكرة أو دعوى تطلقها دولة أو مؤسسة أو فرد، وإلا عاد الأمر بالأثر السلبي الوخيم على الفكرة ذاتها وفقدت مصداقيتها عند المتلقين.

لا تقل: ماذا سنفعل؟ ولماذا ولمن ومع من؟ بل قل لي: كيف؟ فالعجز عن الكيف مؤشر على عدم صلاح الفكرة كفكرة وعدم صلاحيتها كتطبيق، فإما الفكرة ليست كما تقول، وإما أنت عاجز عن تطبيقها وتصور كيفية تنفيذها.

وأخطر أنواع ذلك :من يدل الناس على مفهوم وحكم ومعنى اسلامي دون دلالتهم على كيفية تطبيقه في واقع حياتهم لأن ذلك سيعود بالتشكك في صلاحية الدين للتطبيق وقيادة الحياة، والدين بريء من ذلك. إذ الخطأ حينها في الدليل لا في المدلول عليه.

الخلاصة :

كلمني عن الفكرة سأفحص وأراجع ....

كلمني عن الكيف سأقتنع وأطبق ....

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين