هل تحسّون بالخطرالثقافي؟

ثقافة الإنسان التي تعني مفاهيمه وقيمه ومعايير الجمال والقبح عنده، ومفهوم الذوق الرفيع والسلوك الاجتماعي السليم، والموقف من العقائد والمذاهب والاتجاهات... هذه الثقافة تتسلل إلى القلوب والعقول عبر منافذ شتى. ولئن كانت الأسرة الصغيرة، ثم الأسرة الكبيرة والجوار، هي التي تستحوذ على معظم هذه المنافذ فيتعلم الإنسان منها معنى الحلال والحرام، والاستقامة والعيب، وأسباب الحب والبغض... فإنّ روافد أخرى دخلت في حياة الناس حتى لقد توارى أمامها دور الأسرة. فالمدارس الابتدائية والثانوية والجامعات، وقد تسبق ذلك رياض الأطفال، قد أثّرت كثيراً في تربية الأجيال السابقة، ثم دخل في حياتنا سَيْل من القيم العالية أحياناً، والهابطة أحياناً، عبر القنوات الفضائية، وعبر "الانترنت"، وعبر المدارس الأجنبية والجامعات الغربية، سواء منها ما غُرس في بلادنا، أو ما ابتعثنا إليه أبناءنا في ديار الغرب...

لقد بدأ ذلك منذ غزا نابليون مصر وأقام فيها المدارس ذات الطراز الغربي والمناهج الغربية، وتبع ذلك مدارس وجامعات في مصر والسودان وبلاد الشام وتركية وباكستان...

ورافق ذلك ابتعاث أبناء المسلمين إلى الدول الأوروبية ليدرسوا مختلف العلوم والآداب، ويتشرّبوا معها قيم تلك المجتمعات، ثم يعودوا إلى بلادنا فيتبوّؤا مراكز متقدمة في التربية والتعليم والسياسة... وينشروا تلك القيم في مجتمعاتنا، بسوء نيّة، أو بقناعة منهم أن هذه القيم هي التي ترقى بالمجتمع.

وننقل هذا النص باختصار من كتاب "نحو التربية الإسلامية الحرة"، للأستاذ أبي الحسن الندوي، ص 160 و 161:

"يقول الأستاذ الأمريكي Dr. J. B. Conant رئيس جامعة هارفارد، في كتابه التربية والحرية: "إن عملية التربية ليست عملية تعاطٍ وبيع وشراء، وليست بضاعة تصدّر إلى الخارج أو تستورد. إننا في فترات من التاريخ خسرنا أكثر مما ربحنا باستيراد نظرية التعليم الانكليزية والأوروبية إلى بلاد أمريكية".

تعرفون أن أمريكا وأوروبا تجمع بينهما روابط كثيرة، دينية ولغوية، وتجمع بين كثير من شعوبهما سلالة واحدة. ولكن هذا العالم يرى أن ما استعير من أوروبا إلى أمريكا كان جناية على الشعب الأمريكي، وإفقاداً لشخصيته، وعملية إجرام وهدم، فكيف ببلدين لا يلتقيان على دين واحد ولا على ثقافة واحدة...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين