الزواج من خديجة رضي الله عنها

عبد العزيز عرب


كانت خديجة رضي الله عنها أفضل نساء قومها نسباً وعقلاً وجاهاً ،وقد كان زعماء قريش يحرصون على الزواج منها ،ولكنها كانت تأبى عليهم ،وبعد أن عاد رسول اللهr  من بلاد الشام وعلمت من خصال رسول الله r ما علمت ،وجدت ضالتها المنشودة ،وتحدثت إلى صديقتها نفيسة بنت مُنية برغبتها  ، فذهبت نفيسة وفاتحت رسول الله صلى الله عليه وسلم  بالزواج من خديجة ،فرضي عليه الصلاة والسلام وكلَّم أعمامه فذهبوا إلى عمِّ خديجة وخطبوها إليه ،وفي هذا اللقاء تكلم أبو طالب قائلاً :
الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل وضئضيء معد وعنصر مضر ،وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه ، وجعله لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً ، وجعلنا حكام الناس .
ثم إنَّ ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوازن به رجل من قريش إلا رجح عليه براً وفضلاً وكرماً وعقلاً ومجداً ونبلاً ، وإن كان في المال قُل فإنَّ المال ظل زائل وأمر حائل وعارية مسترجعة ،وهو والله بعد هذا له شأن عظيم وخطر جليل .
وله في خديجة بنت خويلد رغبة ولها فيه ذلك ، وما أحببتم من الصداق فعليَّ.
وكان مهر خديجة رضي الله عنها عشرون بكرة من الإبل ( الفتية ) .
وعلى إثر ذلك يم الزواج وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر ،وكان عمُرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم  خمساً وعشرين ربيعاً ،وعمُرُ خديجة رضي الله عنها أربعون ربيعاً ، وهي أول امرأة تزوجها ولم يتزوج غيرها من النساء حتى ماتت ودام الزواج خمساً وعشرين ربيعاً . الرحيق المختوم ) .
وقد أنجبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أولاد :
1- القاسم وبه يُكنَّى .
2- زينب وتزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع رضي الله عنه  .
3- رقية وتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه  .
4- أم كلثوم وتزوجها عثمان بعد وفاة أختها رقية ولذلك لقب بذي النورين.
5- فاطمة الزهراء والتي تلقب أيضاً بالبتول وتزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه  .
6- عبد الله ولقبه الطيب و الطاهر .
وقد شاء الله عز وجل أن يموت أولاده الذكور صغاراً ، أما البنات فقد كبرن وأدركن الإسلام فرضي الله عنهنَّ وأرضاهنَّ .
تأملات :
المال ليس مقياساً للرجال :
تكلم أبو طالب بلسان الحكمة أنَّ المال ظل زائل وأمر حائل وعارية مسترجعة .
فالرجل لا يقاس بالمال إنما يقاس بالعقل والأخلاق ، بالدين والفضيلة .
اختر لابنتك كما تختار لولدك :
هذا سيد الخلق تزوج من خديجة عندما عرضت نفسها عليه من خلال صديقتها نفيسة ولو كان ذلك عيباً لما قبله عليه الصلاة والسلام .
أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه  حين تأيمت ( ترملت ) حفصة بنت عمر  رضي الله عنها من خنيس بن حذافة السهمي رضي الله عنه  وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  فتوفي بالمدينة ، فقال عمر بن الخطاب : أتيت عثمان بن عفان ، فعرضت عليه حفصة ، فقال : سأنظر في أمري ، فلبثت ليالي ثم لقيني ، فقال : قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا ، قال عمر : فلقيت أبا بكر الصديق ، فقلت : إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر ، فصمت أبو بكر فلم يرجع إليَّ شيئاً ، وكنت أوجد عليه مني على عثمان ، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنكحتها إياه ، فلقيني أبو بكر ، فقال : لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئاً ؟ قال عمر : قلت : نعم ، قال أبو بكر : فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليَّ ، إلا أني كنت علمت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  قد ذكرها ، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم  قبلتها .
البخاري  - كتاب النكاح - باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير .  
محبة رسول الله لخديجة :
عن عائشة رضي الله عنها  قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم  إذا ذكر خديجة أثنى عليها ، فأحسن الثناء ، قالت : فغرت يوماً ، فقلت : هل كانت إلا عجوزاً، قد أبدلك الله عز وجل بها خيراً منها ، قال : ما أبدلني الله عز وجل خيراً منها ، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس ، وصدقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء .
مسند أحمد بن حنبل  - مسند الأنصار-  حديث السيدة عائشة رضي الله عنها .
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ما غرت على امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم  كما غرت على خديجة ، لكثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم  إياها وثنائه عليها ، وقد أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  أن يبشرها ببيت لها في الجنة من قصب . صحيح البخاري  - كتاب النكاح - باب غيرة النساء ووجدهن .
عن أنس رضي الله عنه  قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم  وعنده خديجة قال :إنَّ الله يقرئ خديجة السلام  فقالت : إنَّ الله هو السلام ، وعلى جبريل السلام ، وعليك السلام ، ورحمة الله وبركاته .
السنن الكبرى للنسائي  - كتاب المناقب-  مناقب خديجة بنت خويلد رضي الله عنها .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين