كلمة أخيرة عمَّا أثير عن الإمام الكشميري

إنَّ السيد صلاح الدين الإدلبي في نقده لما كتبه الإمام الكشميري "عن إلصاق المنكب بالمنكب والكعب بالكعب "أثناء قيام المصلي في الصف بأسلوب جاف غليظ ومبني علي المغالطات كان : كناطح صخرة يوما ليوهنَها =فلم يضرها وأوهي قرنه الوعل 

إنَّ الاعتراف بالخطأ فضيلة، وفي السكوت مندوحة عن الوقوع في كثير من المآزق.

وهذه بعض ملاحظات بعد قراءة ثانية على ما كتبته يراعه بناء على رغبته وإصراره على موقفه مع وضوح خطئه : 

- ادَّعى أن الشيخ "تجاهل" ما قاله الراوي مع أن كلام الشيخ الذي نقله للنقد ليس إلا في شرح كلام الراوي في ضوء الأحاديث النبوية الثابتة فهل يعرف الكاتب ما معنى" التجاهل" ؟

- يتَّهم الشيخ بأنه "اكتفى فقط بقول ابن حجر "!! ألا يعرف الكاتب من هو ابن حجر؟ وما قيمة كلامه؟ وهل كلامه كلام رجل الشارع أو شرح لطيف ودقيق لكلام الراوي في ضوء استقصاء كافة طرق الحديث وبعد جمع كافة الروايات والآثار في الموضوع، وتنقيح كافة جوانب المسألة من أعظم شارح لصحيح الإمام البخاري بلا منازع ؟ ثم كلام ابن حجر هو نفس كلام العيني وهو كلام القسطلاني ومعظم شرَّاح البخاري وليس الكشميري إلا رديفا لهم فلمَ الهجوم عليه بأسلوب لا يتصور ممَّن يعرف نفسه ويعرف من يكتب عنه ؟

- ومن المضحكات المبكيات أنه يتحصف على أن الإمام الحافظ الحجة أمير المؤمنين في الحديث في عصره محمد أنور شاه الكشميري (وكذلك الحافظ ابن حجر باعتباره هو المرجع لشرح كلام الراوي ومعه آخرون الذين اختاروا هذا الشرح) ليتهم اطلعوا على أحاديث(كأنما هي من "خواص محفوظات الكاتب") مما ورد في "إلصاق الكعبة بالأرض " وإلصاق امرأة من السبي صبيا ببطنها"، وأن فاطمة رضي الله عنها أخذت حصيرا فأحرقته حتى صار رمادا، ثم ألزقته "حتى يدركوا معنى إلصاق الكعب بالكعب وإلزاق القدم بالقدم، وينصحوا المصلين تطبيقه في الالتصاق والالتزاق والاندماج الكامل أثناء الوقوف في الصلاة ؟!

- و يقول - مناقضا نفسه – يسنُّ للمصلي أن يلصق منكبه بمنكب جاره وقدمه بقدم جاره وينسي "كعبه بكعب جاره " - مع أن إلصاق القدم بالقدم لا يجعل الكعب ملتصقا بالكعب - من كلا الجهتين، ثم يقسم المصلين ثلاثة أقسام: الواقف في جهة الإمام، والواقف في غير جهة الإمام، ومن يكون خلف الإمام، ثم يقسم الأرض على مسافة مساوية للمسافة التي بين منكبيه متنازلا عن "لزوم الإلصاق" بعد كل جعجعة حوله واتهام الأئمة الأعلام بالمخا لفة. 

وليته من خلال فلسفته هذه قام بحل مشكلة الطويل والقصير، والسمين والهزيل، والسليم ومحدودب الظهر من المصلين أيضا ونقل نصا في هذه التقسيمات حتى لا يكون كلامه من غير دليل وهو حريص على تطبيق السنة بالمعنى "الحقيقي" لا بالمعنى " المجازي "؟1 

- ويقول "مؤاخذا " الشيخ لا "معقبا " أو معلقا" : "إذا فهمنا الحديث كما جاء في الحديث فهو أمر سهل جدا ،" ليس فيه سوى الاقتراب وترك الفرجة "بين المصلي وبين جاره الذي هو من جهة الإمام " فما الذي أراد أن يرد عليه في مقاله ؟ ألم يقل الإمام ابن حجر: المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسدّ خلله" وهو الذي أيَّده الإمام الكشميري. فما الداعي إلى شنِّ الهجوم عليه ؟ ثم التفريق بين المصلين بين من يكون في جهة الإمام و من لا يكون في جهة الإمام من غير دليل على هذا التقسيم، وعلى عكس ذلك إن الذين ينتقدهم الكاتب يؤكدون علي كافة المصلين أن يقتربوا ويتراصوا ويسدوا الخلل ، ولا يتركوا الفرجة سواء كانوا في جهة الإمام أو غير جهة الامام 

- ينقل الكاتب من "فيض الباري" عبارة : "والحاصل أنا لم نجد الصحابة والتابعين يفرقون في قيامهم بين الجماعة والانفراد علمنا أنه لم يرد بقوله إلزاق المنكب إلا التراصّ وترك الفرجة " وبعد الطعن والتشنيع عليه يؤكد ويعترف بأن "المراد ليس إلا التراص وترك الفرجة "، ويتهم الشيخ بالتناقض. وكلامه نفسه متناقض ومتهافت، وهل هذا إلا كما قيل : "رمتني بدائها وانسلت " .

- بدل أن يدرك معنى "التعامل " و"التوارث" يورد أسئلة مضحكة عن كلام الشيخ :"فإن الشرع يدور علي التعامل والتوارث " يقول : تعامل من؟ عمل من يريد ؟ عمل الصحابة والتابعين؟ أو عمل الأئمة المجتهدين في عصور الاجتهاد ؟ أو عمل أئمة المذهب الحنفي ؟ أو عمل مشايخ الحنفية الذين أدركهم في أوائل القرن الرابع عشر الهجري ؟ 

فإذا كان يصعب عليه فهم معني التعامل والتوارث فكيف يدخل في موضوع علمي للنقاش، ويبدأ بالمؤاخذات على جبل من جبال العلم ؟! 

- نقل الشيخ كلام من يستدل بمثل "مررت بزيد" بأن دلالة حرف "الباء" للإلصاق على الإلصاق الحقيقي وأوضح وجه الخطأ في الاستدلال فيحكم الكاتب بأن "هذا خلل في اللغة " عند الشيخ وينقل قول ابن الوراق مع أن كلامه يؤيد ما يقوله الشيخ إن الإلصاق ليس بالمعنى الحقيقي" أي "إلصاق الجسد بالجسد" بل بمعنى "المشاركة في توقيت المرور" فقط . 

ومن قرأ أبسط رسالة في النحو مثل "شرح مائة عامل" لإمام البلاغة والعربية عبد القاهر الجرجاني وجد قوله : الباء للإلصاق وهو اتصال شيء بشيء، إما حقيقة نحو: "به داء" وإما مجازا نحو :"مررت بزيد " أي التصق مروري "بمكان يقرب منه زيد " 

- ويقول في حواره الجديد : المناكب لا ينبغي أن تكون متباعدة وهذا بخلاف ما فهمه الشيخ الكشميري من الحديث حيث قال : "قال الحافظ : المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله قلت : وهو مراده عند الفقهاء الأربعة أي لا يترك في البين فرجة تسع فيها ثالثا " هذا نص كلامه بحروفه. 

أين في هذا الكلام للإمام الكشميري أنه يجب أن تكون المناكب متباعدة ؟ لعل الكاتب التبس عليه لفظ " في البين فرجة تسع فيها ثالثا " 

ألم يرد في الحديث صراحة أن لا تتركوا فرجات للشيطان ؟ ألا يكون الشيطان ثالثا إذا تركت الفرجة ولو قليلا ؟ 

- يقول السيد الإدلبي : التلاصق والتراص ممكن ممكن جدا إذا لم ندخل فيه التلاصق في الكعوب وهو في غاية السهولة "

- لماذا التنازل الآن من تلاصق الكعوب وهو مذكور صراحة في رواية النعمان بن بشير؟ 

- وهل قال من قال بالصعوبة إلا في الجمع بين إلصاق الكعبين وإلصاق المناكب في آن واحد ؟

- لقد كان أساس الطعن والتشنيع علي الكشميري وابن حجر وغيرهم أنهم تركوا وتجاهلوا كلام الراوي وكلام النعمان بن بشير نقله الإمام البخاري : رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب ًصاحبه" فكيف تقول الآن : "هذا اللفظ ليس في الصحيحين وفي ثبوته نظر "؟!

- فما نقله الإمام البخاري وكان هو إلى جانب قول أنس أساس استدلالكم أصبح الآن ثبوته محل نظر عندكم ؟ وهل ينقل الإمام البخاري رواية في ثبوتها نظر ؟ لماذا أوقعت نفسك في فخ ومأزق يصعب عليك الخروج من الآن؟

- الإشكالية كانت قائمة وجماعة الفهم المتطرف على اختلاف في القلة والكثرة كانت موجودة والوقاية من الفهم الخاطئ أيضا من مناهج الفقهاء المحدثين وإن نبرتكم في المقال الأول لا تختلف كثيرا عن فهم تلك الجماعة .

- ولم ينج العلامة المحدث محمد زكريا أيضا من هجومك من غير أن تدرك لطف كلامه وهو دقيق.

- إن كلامه لا يرتكز في عنوان الباب، بل في وضع العنوان : إلزاق المنكب بالمنكب، وإلزاق القدم بالقدم، ثم إيراده مباشرة في ترجمة الباب – وفقه البخاري في تراجمه – قول النعمان بن بشير : رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه " للإيحاء والإشارة إلى أن المراد بإلزاق الكعب بالكعب ليس بالمعنى الحقيقي بل المراد منه نفس ما يفهم بإلزاق المنكب بالمنكب وإلزاق القدم بالقدم أي المبالغة في القرب والتراص .

فإبداع البخاري لا يقتصر في وضع العنوان فقط بل في إيراد قول النعمان بن بشير تحت هذا العنوان كترجمة الباب لإثبات أن المعنى المجازي هو المراد في كل ذلك وكل الروايات على نسق واحد وهو معنى قوله: " ثم ذكر حديث النعمان تعليقا للإشارة إلى ما هو المراد في الأوَّلين هو المراد في الثالث لاتحاد سياق الروايات " 

هؤلاء القوم- يا أخ صلا ح -عكفوا على تدريس صحيح البخاري وحل غوامضه وشرح أبوابه وتراجمه نحو خمسين عاما، وقد سمعت من الشيخ العلامة المحدث عبد الفتاح أبي غدة إنه جلس أثناء زيارته للهند في درس شيخنا العلامة المحدث فخر الدين أحمد ثلاثة أيام في شرح شطر من حديث فلا تعجل في نقدهم والتطاول عليهم وإن الدعاوى العريضة لا يجعل الإنسان محدثا ولا فقيها وإنَّ قراءة صحيح البخاري ليس مثل قراءة سريعة للجرائد والمجلات. 

وأنا معك في الدعاء في نهاية حوارك الأخير: "جمعنا الله على محبته سبحانه وتعالى ومحبة حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم ومحبة سنته الشريفة وتوقير سلفنا الصالحين" وأيضا أن يجنِّبنا المراء والرياء. والله وراء القصد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين