الذاتُ ، بينَ : حِفظِها ، وعِشقِها ، ونَقدِها ، وجََلدِها !

ذاتُ الإنسان ، هي أهمّ شيء ، لديه ، على الأطلاق ! والتعاملُ معها ، له أشكال كثيرة .. من أهمّها :

حفظُ الذات : أهمّ مايسعى إليه الإنسان ، هو حفظ ذاته ، ممّا تتعرّض له ، من العلل ، والآفات ، والأمراض ، والأخطار.. ومن الجوع والعطش ، ومن الخوف والقلق .. وغيرذلك، ممّا يؤذي الذات ؛ سواء أكان الأذى قليلاً ، أم كثيراً !

وقد وردت ، في القرآن الكريم ، آيات عدّة ، تدلّ ، على أهمّية الذات ، لدى الإنسان ، وعلى حرصه الشديد ، عليها .. وعلى محافظته عليها ، في الأوقات ، كلّها ، لاسيّما؛ الصعبة منها، وعلى تفضيلها ، على أيّ شيء آخر!

من هذه الآيات ، قوله ، تعالى ، عن أهوال يوم القيامة : يومَ يَفرّ المرءُ من أخيه * وأمّه وأبيه * وصاحبتِه وبَنيه * وفَصيلتهِ التي تُؤويه * لكلّ امرئ منهم يومَئذٍ شأنٌ يُغنيه .

ومنها ، قوله ، تعالى : 

يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ(11)) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ(13) وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ .

ويأتي ، بَعد الاهتمام بالذات ، الاهتمامُ ، بما يتّصل بها ، من حاجات أساسية ، ضرورية لحفظها .. ومن أفراد لصيقين بالذات : من أهل وأقارب !

عشقُ الذات : وقد تتطوّر نزعة الاهتمام بالذات ، إلى نوع ، من الهوَس ؛ فتصبح عشقاً للذات ! فلايعود المرء ، يفكّر بغيرها ، ولا يهتمّ بسواها ، ولا يعجبه ، سوى ما يصدرعنها، من قول ، أو فعل ! فينطلق ، في كلّ مايأخذ ، وما يدع ، من نزعة عشق الذات ، هذه ، والتمحور حولها ! وهذا مايسمّيه بعض الباحثين ، في علم النفس : النرجسية ! وهي منطلقة، من أسطورة يونانية قديمة ، تتحدّث ، عن فتى ، رأى صورته ، في الماء ، فأحبّها ، ثمّ هام بها ، فصار يقف ، كلّ يوم ، في المكان ، الذي رأى صورته ، في الماء ، عنده ، ويتأمّل الصورة ، في الماء ! حتّى ذبل ، وهزل ، ثمّ مات .. فنبتت ، في مكانه ، زهرة ، تسمّى زهرة النرجس ؛ فصار يُطلَق ، على كلّ مَن يعشق ذاتَه ، وصفُ : نَرجسيّ !

نقدُ الذات : وهذا أمر جيّد ، وضروري ، لكلّ عاقل ، يسعى ، إلى تطوير ذاته ، أوعمله ، أوسلوكه ، أو تفكيره .. نحو الأفضل ، والأجمل ، والأرقى ؛ بما يناسب تطوّر الحياة ، من حوله ! وإذا لم يمارس المرء ، نقدَ ذاته ، ظلّ محافظاً ، على مستوى معيّن ، من التفكير والسلوك ، لايجاوزه ، مهما تطوّرت الأمور ، حوله ، أو تغيّرت الظروف ؛ فيجمدَ ، على حالة ، هي أشبه بالموت ، منها بالحياة !

جَلد الذات : وهذا نوع ، من الهوس ، متطوّر، عن نقد الذات ، فيه مبالغة ، في النقد ، قد تصل ، إلى نوع ، من احتقار الذات ، والاستهانة ، بكلّ مايصدر عنها !

وقد تكون الذات ، التي يجلدها المرء ، هي ذات الفرد ، كما قد تشمل ، مجموعة من الناس : قبيلة ، أو حزباً ، أوشعباً ، أو أمّة ؛ تتجسّد ، في شخص الفرد ، أو تفكيره ؛ فلا يرى الفرد، أيّ خير، أو أمل ، في أيّ شيء ، يصدر، عن المجموعة ، التي ينتمي إليها ، مهما كان هذا الشيء عظيماً !

ويحرص الفرد ، إزاء هذه الهزيمة النفسية ، التي تصيبه ، على المقارنة الدائمة ، بين مايصدرعن مجموعته ، التي ينتمي إليها ، وبين ماعند الآخرين .. مُظهِراً احتقارَه ، لِما يصدر، عن مجموعته ، قياساً ، إلى مايصدر، عن الآخرين ، كما هو حال الكثيرين ، من أبناء أمّتنا ، اليوم !

أمّا المرض النفسي : التلذّذ بتعذيب الذات ، الذي يسمّى : المازوخية ، أو المازوشية، فهو حالة خاصّة ، تكاد تكون شاذّة ، بين البشر.. ولن نُفيض ، في الحديث عنها ، في بحثنا هذا !

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين