كم نحن بحاجة للمحاضن التربويَّة القرآنيَّة

طالب نجيب وذكي فصل من مركز ما بجهة في بلد ما، تهتم هذه الجهة بالتحفيظ لأشرف كتاب في الوجود، والسبب كما أخبرني والده ( والألم يعتصر فؤاده ) أن هذا الفتى لم يكمل المقرَّر عليه من الحفظ لأكثر من مرة، وتعجبت وحقَّ لي أن أتعجب !!!

ودار في ذهني تساؤلات كثيرة! ماذا لو توجه هذا الشاب إلى رفاق سوء فتعلم منهم المحرَّمات وقضى وقته في التُّرهات؟!

أيعجز هؤلاء القائمون على هذا المركز أن يكون مركزهم ( محضناً تربوياً ) بدلاً أن يكون مركز تخزين للذاكرة.

هل القائمون على بعض المجالات يريدون مرضاة الله تعالى بإنقاذ النفوس والأرواح أم يريدون كوادر تدخل المسابقات وتشارك بقوة الحفظ لتتميَّز الجهة كذا عن جهة كذا.

لا أدري لماذا ألاحظ أنَّ هذه النوايا أشبه بصحراء قاحلة شديدة البرد لا دفء فيها، مع أن الدفء من أعظم النعم التي امتنَّ بها الله على الإنسان ( والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ) ولعل الدفء المعنوي أكثر أهمية من الدفء المادي.

لقد أضحيت أتململ من سماع الناس يسألون طفلاً ما ( كم حفظت؟ وإلى أي مكان وصلت في كذا ؟) وأضحيت أتخيل عقل هذا الطفل المسكين أشبه بخزانة ترفف فيها المعلومات وتتراكم ثم يملؤها غبار عدم فهم المحفوظ وعدم تطبيق ما فيه.

إنني أعرف من كان يجبر ولده بالضرب العنيف ليحفظ ويشارك في بعض المسابقات ليفوز، وأعلم كيف تحول هذا الفتى الحافظ إلى شاب شرس مع أقرانه بسبب هذه التربية العمياء.

وأعود إلى كلمة ( الحضن التربوي )

إنها كلمة تأسرني في هذه الأيام، وقد لاحظ من يجالسني أنني أكثر من ذكرها...

أيها الكرام !

الحضن كلمة عظيمة لأنها تعبر عن الأمان والحنان والدفء والعاطفة والتشجيع، وتحمُّل الأخطاء والصبر عليها حتى إنها بداية التربية السليمة ومنطلقها وتسير معها يوما بيوم ولذا يسن لمن استقبل مسافراً أن يحتضنه عند اللقاء ليزيل عنه وحشة السفر والبعد عن الوطن وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتضن من يقدم من أصحابه من السفر.

فلماذا لا نجد هذه التربية الحانية المحتضنة؟

لم لا يكون من مدارسنا ومراكزنا العلمية من يتوجه هذا التوجه ويقوم بهذا الدور؟.

لم لا يتنادى أهل التربية والتعليم والبناء العقلي لبناء منظومة متكاملة من تربية واعية سليمة تبدأ من الطفولة إلى الشباب مروراً بالمراهقة يكون أساسها دفء الأخلاق وتنمية القوى العقلية والفكرية والاجتماعية بدلًاً من تنمية الذاكرة، مع أهمية الحفظ وتنمية الذاكرة، لكنها إذا وقفنا عنها فقط تحولت لما يشبه الأسفار ( أي الكتب ) الذي يحمله الحمار ولم يفهم شيئاً منه وهو مثل قرآني ذكره الله تعالى في سورة الجمعة ( مثل الذين حُملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً ) وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة أحدهم رجل تعلم القرآن ليقال قارئ فيقال له: قرأت ليقال قارئ وقد قيل خذوه إلى النار!

هل عجزت عقولنا وإراداتنا عمَّا فيه نفع أبنائنا بحيث يتخرج منها الرجل الصالح وتتخرج الفتاة امرأة قانتة صالحة.

إن أبناءنا وبناتنا يحتاجون لمحاضن تربوية لا لمراكز تخزين ذاكرة.

ويبقى القرار الصحيح لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين