الرشد والفتوة في تحطيم الصنميَّة هو شأن الدعاة

عرضت في خطبة اليوم كيف تحول إبراهيم عليه السلام من الحوار مع والده وقومه عن بطلان ألوهية وربوبية ما يعبدونه من أصنام وكواكب ، إلى الفعل، بعد أن عاندوا الفكر الصحيح والمنطق القويم ولم يستجيبوا.

ولكن أي فعل يفعله ؛ فلننظر إلى ما تعرضه الآيات القرآنية:

أولاً - إنه الفعل الرشيد الذي ينظر في المآلات ( ولقد آتينا إبرهيم رشده) والرُّشْد: اهتداء العقل إلى الأكمل في الصلاح والأعلى في الخير، بحيث لا يأتي بعد الصلاح فسادٌ، ولا بعد الخير شر، ولا يُسلمك بعد العُلو إلى الهبوط ( تفسير الشعراوي ) فهو في فعله راشد غير فوضوي، شجاع غير متهور، وهذا يعني أنه لا يريد تحطيم الأصنام كردة فعل أو فورة غضب، أو رغبة انتقام. لا ، بل يريد أن يحطم فكرة الصنمية وهذا الفعل الرشيد يقتضي منه التروّي والكيد لأنه في موقف الضعف المادي أمام طغيان الجبروت.

ثانيا- إن تكسير الأصنام ليس هو الكيد بل تكسيرها وإبقاء كبير الأصنام سالماً لعلهم يتساءلون ويعملون عقولهم ليأتي دوره في التوعية والإرشاد ( وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم - ترك كبير الأصنام لم يحطمه وهنا روعة الكيد - لهم إليه يرجعون )

لقد تحطمت فكرة الصنمية ( أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبرهيم ، قال بل فعله كبيرهم هذا فسألوهم إن كانوا ينطقون فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون )

ثالثاً - يلفت القرآن نظرنا أن الرشد يجب أن تقارنه الفتوة ، فإبرهيم عليه السلام - فتى - ( قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين ، قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبرهيم ) والفتوة تظهر في العزم على تحطيم فكرة الصنمية ، وتعريض نفسه للخطر - لكن عن وعي ورشد- من أجل نصر الفكرة الحقة وهي وحدانية الخالق .

قال ابن القيم :الفتوة : كسر الصنم الذي بينك وبين الله تعالى ، وهو نفسك . فإن الله حكى عن خليله إبراهيم عليه السلام : أنه جعل الأصنام جذاذا . فكسر الأصنام له ( أي من أجل الله ) . فالفتى من كسر صنما واحدا في الله . ( مدارج السالكين ) فقام أولاً بتقديم مصلحة الدين على هوى النفس فعرضها للخطر لأجل ربه قبل أن يكسر أصنام قومه.ولابد لمن يحمل هذا العزم الصادق من أن يحطم هوى نفسه ويزكيها من أخلاقها الدنيئة ويحليها بالفضائل والعزائم.

ومن كان هذا شأنه فنصر الله حليفه ( قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين، قلنا يانار كوني برداً على إبرهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين