جوانب التربية العقلية والعلمية في الإسلام (6) 

سابعا: مراعاة مبادئ التربية العقلية

فإذا لم نراعِ تلك المبادئ لا يمكن تحقيق الهدف من هذه التربية، وأهم تلك المبادئ هي الآتية:

1 - مراعاة النمو الطبيعي والثقافي:

ذلك أننا لا نستطيع أن نعلم أية معلومة أو أية فكرة في أية مرحلة فلابد من مراعاة مستوى المعلومات بالنسبة لمستوى النمو العقلي والعلمي فما لم نراعِ ذلك لا يستطيع الطالب فهم المعلومات والأفكار التي تقدم إليه وذلك يؤدي إلى إعاقة نموه العقلي كما يؤدي إلى فقدان الثقة بنفسه وبقدرته العقلية، وقد يؤدي الأمر أيضاً إلى الوقوف موقفا سلبيا إزاء تلك المعلومات والأفكار ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (وما أنت بمحدث حديثاً قوماً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) [المستدرك على الصحيحين في الحديث 1/104] وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: (أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم) [سنن الدرامي 1/87 باب التوبيخ لمن يطلب العلم لغير الله].

2 - التأكيد من استيعاب الطالب للمعلومات وإحاطته بها قبل تقديم معلومات جديدة؛ لأن عدم وضوحها في ذهنه يجعلها تبقى مشوهة بحيث لا يستطيع تمييز بعضها عن بعض، ولا يستطيع استخدامها في مواقعها ومواضعها عند اللزوم أو عند التطبيق.

ولهذا فإن الله تعالى باعتباره مُربياً حقيقياً كان يكشف للناس الحقائق ويريهم بكل وضوح وبينة فقال تعالى مثلاً: [وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ] {الأنعام:75} . 

وقال تعالى [فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ] {ق:22}. 

ثم طلب من رسوله صلى الله عليه وسلم باعتباره رسولاً مُبلغاً ومُربياً أن يُبصر الناس الحقائق فقال تعالى: [وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ] {الصَّفات:175} وذلك [لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ] {الأنفال:42}.

3- تدريب المتعلمين على ممارسة الأفكار وطرق استخدام المعلومات في الميادين العلمية وعلى حلِّ المشكلات؛ لأنَّ قيمة الأفكار تظهر في الميادين العملية كما أنَّ الممارسة تكشف للمتعلمين مدى فهمهم ومدى استيعابهم الأفكار والمعلومات، ومن ناحية أخرى فإن الممارسة تنمي القدرات العقليَّة وتعلم كيف يَستفيد الإنسان من علمه وثقافته في حياته العلميَّة ويحلُّ بها المشكلات التي تواجهه. وعندئذ يَعرف قيمة العلم في حياة الإنسان ويقدرها حق قدرها، وأخيرا الممارسة تجعل المتعلم يتذوق العلم أكثر وأكثر.

ولهذا جعل الإسلام المعلم والمتعلم مسئولين عن تطبيق علومهما في حياتهما العلمية كما بيَّنا.

4- إثارة انتباه المتعلمين إلى تغيرات الطبيعة وظواهرها المثيرة ذلك أنَّ الكون كله طبيعة ميتة إذا نظرنا إليه من زاوية الألفة. لكن إذا نظرنا إليه واندهشنا له من زاوية نظرة جديدة وكأننا ولدنا فيه من جديد ولم نكن فيه من قبل وجدنا أنفسنا في عالم جديد ووجدنا لكل شيء صورة حية تثير انتباهنا ومشاعرنا وتدفع عقولنا إلى البحث عن أسبابها القريبة والبعيدة إلى تحركها وتغيرها، وذلك يحرك عقولنا ويوقظها من سباتها وغفلتها. 

والذين يحيون حياة عقليَّة نشطة ومُتيقظة هم هؤلاء الذين أثارت ظواهر الطبيعة عقولهم ومشاعرهم وإحساسهم وقلوبهم، والذين لم يَندهشوا ولم تثر عقولهم عاشوا بُلَداء العقول والمشاعر.

ولهذا كله نجد الإسلام يُثير انتباهنا إلى الظواهر، والقرآن الكريم كتاب الكون والإنسان والسنن الكونية والاجتماعية، وقد رأينا أمثلة عديدة في الصفحات السابقة كيف أن هناك كثيراً من الآيات تَلفت نظرَ الإنسان إلى تلك الظواهر والآيات الكونيَّة.

5- التوجيه إلى الأبحاث العلمية والتشجيع عليها في الميادين المختلفة؛ لأنَّ الأبحاث تجعل الإنسان يَكتشف نفسه وقدراته وتجعله يرى الحقائق بنفسه وتكوُّن عنده الثقة عندما يصل إلى الحقائق ويكتشفها ويعبر عنها، وذلك من الوسائل التي تدفع الإنسان إلى الاستمرار في إعمال العقل والبحث عن الحقائق والظواهر المثيرة للانتباه والدهشة. ولهذا نجد في القرآن الكريم دعوة إلى النظر والتأمل في الآفاق والسير في الأرض لدراسة آثار الأمم البائدة وأخذ العبرة منها ومن تاريخها.

6- إرشاد المتعلمين إلى طرق تنمية القدرات العقليَّة وطرق المذاكرة العلميَّة وإلى الأغذية الضرورية أو الفيتامينات المهمَّة التي تُساعد على نشاط العقل وحيويَّتِه وقدرته على العمل لمدة أطول، وإرشاده إلى طُرق مقاومة النسيان وكلل الذهن، وطرق تجنب الأمراض العقليَّة المختلفة، ثم إرشادهم إلى طرق التعلم التي تؤدي إلى نمو القدرات العقليَّة والطرق التي تؤدي إلى الجمود العقلي ليتبعوا الأولى وليتجنبوا الثانية.

وأخيراً يجب إرشادهم إلى أفضل طُرق التعلُّم التي تُساعد على الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات في أقل وقت بأقل جهد حتى يستطيعوا أن يتقدَّموا عقلياً وعلمياً. [أ-القرآن والطب ص 33 الدكتور محمد وصفي – دار الكتب الحديثة القاهرة، ب – تكوين الجنين ص 98-الدكتور صلاح الدين سلام. دار المعارف. "ط" القاهرة].

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

المصدر: مجلة المسلم المعاصر رجب، شعبان ورمضان 1402 - العدد 31 

الحلقة الخامسة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين