عندما كنتُ في المرحلة الجامعية أخبرنا الأستاذ بأن هناك قاعدة في علم النفس تقول: ما أطول ساعات الانتظار وما أقصر ساعات الفرح. بمعنى أنه من الطبيعي جدا عندما تقضي ساعة مع صديق مرَّ على فراقكما 10 سنوات ستمضي أسرع من ساعة تقضيها عند الطبيب في العيادة أو في انتظار طبقك المفضل وأنت تتضوَّر جوعا في المطعم ، أو أنك عندما تنتظر أن يحرز فريقك هدفا (ولو حتى التعادل) في مباراة حماسية تكون فيها واقفاً على قدميك طوال الوقت.
نحن تقريبا ننتظر كل شيء. أنت ربما تنتظر وظيفة أو أن تتقاعد منها وأنت تنتظرين قرار المحكمة للبتّ بحكم الطلاق أم لازلتِ تنتظرين فارس أحلامك؟ هناك من ينتظر الرحيل، وهناك من ينتظر الوصول إلى حضن وطنه. كلنا جربنا أشكالا مختلفة من الانتظار، وظننا أنها الأطول والأصعب والأمَر.
ربما أنت أيضا تنتظر انتهاء السطور الأخيرة من هذا المقال! فهل تساءلت يوما: كم قضيت من عمرك في الانتظار؟
في أمريكا درسوا ظاهرة الانتظار ووجدوا أن الفرد ينتظر 32 دقيقة كلما زار الطبيب و 28 دقيقة على طوابير التفتيش في المطارات و 38 ساعة كل عام وسط الازدحام المروري.
وفي دراسة حديثة لكلية لندن الجامعية أظهرت أن المواطن البريطاني لايستطيع أن يصبر لأكثر من 10 دقائق و 42 ثانية في طابور الانتظار.
أما في وطننا العربي فالانتظار قد يطول أكثر من المتوقع، فبعد العصر قد تعني بعد المغرب، و5 دقائق قد تعني نصف ساعة على الأقل. أما السنة القادمة، فحتماً يصعب القول متى قد تحين.
علمياً هناك تجربة مذهلة عن الانتظار اشتهرت باسم "تجربة المارشملو". قام خلالها والتر ميشن الأستاذ والباحث في علم النفس في جامعة ستانفورد في أواخر الستينيات بدراسة مئات من الأطفال تتراوح أعمارهم بين سني الرابعة والخامسة. أجلسوهم (كلاً على حده) في غرفة فارغة تحتوي فقط على طاولة وكرسي ووضعوا لهم قطعة مارشملو واحدة أمامهم وقالوا لهم: يمكنكم الاختيار بين تناول هذه الحبة الآن أو الانتظار ربع ساعة للحصول على القطعة الثانية. في النهاية أغلب الأطفال لم يستطيعوا أن يقاوموا جاذبية قطعة الحلوى كما قرروا في البداية والكثير منهم لم يكمل دقيقته الثالثة. عدد قليل جدا من الأطفال استطاع إكمال الربع ساعة حتى النهاية دون أن يأكلها.
كان هدف التجربة هو معرفة الوسائل التي يستخدمها الطفل لتشتيت انتباهه عن شيءٍ ما. لكن والتر ميشيل ذهب أبعد من ذلك بكثير. إذ تعقّب لاحقاً قسماً من الأولاد ليرى أداءهم. اكتشف الباحثون بعد 30 عاماً أن الأطفال الذين امتنعوا عن أكل الحلوى حتى انتهاء الوقت هم الآن وبدون استثناء يتمتعون بصحة جيدة وسعداء ومتفوقون بدراستهم.
أما البقية (من رضوا بقطعة واحدة فورية) كانوا أقل انضباطاً ولديهم مشكلات في دراستهم وحتى في عائلاتهم.
في الختام:؛ ماذا عنك أنت ياصديقي. هل ستكتفي بقطعة أم أكثر؟ هل سيثنيك الانتظار عن تحقيق أهدافك البعيدة، هل ستضحي بالنفيس؟ لا فائدة من الإطالة في الكلام، ولكن هناك نوعان من الانتظار: أحدهما سلبي قاتل يسحبك للوراء مع كل نفس تأخذه.
وهناك الانتظار الإيجابي المفعم باليقين والمتشبع بالصبر.
هذا النوع لا يأتي إلا بالايمان بالله أولاً ثم بنفسك ثانياً.
الحياة قصيرة ، افعل ما تريده اليوم ولا تضيّع وقتك. إبقَ في حالة حركة لا استسلام، وأمل لا انهزام.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول